الأيديولوجيات الرجعية للإمبريالية

08:5528/10/2024, الإثنين
تحديث: 28/10/2024, الإثنين
سلجوك توركيلماز

لم تقتصر علاقة الولايات المتحدة وبريطانيا بإسرائيل على تقديم الدعم لها وحمايتها بموقفهما العدواني بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر. بل إنهما أسستا كأيديولوجية استعمارية، وجعلتا من إسرائيل دولة استعمارية. ولذلك فإن وصف علاقة هاتين الدولتين الاستعماريتين الإمبرياليتين بإسرائيل بمصطلح "الدعم" ليس صائباً. فهذا المصطلح يعجز عن التعبير عن حقيقة مواقف وسياسات بريطانيا والولايات المتحدة تجاه إسرائيل، بل يبهم الصورة الحقيقية لتلك العلاقة. ولعل مصطلح "الدولة الوكيلة" يعد أكثر ملاءمة لتوضيح هذه العلاقة. منذ ستينيات

لم تقتصر علاقة الولايات المتحدة وبريطانيا بإسرائيل على تقديم الدعم لها وحمايتها بموقفهما العدواني بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر. بل إنهما أسستا كأيديولوجية استعمارية، وجعلتا من إسرائيل دولة استعمارية. ولذلك فإن وصف علاقة هاتين الدولتين الاستعماريتين الإمبرياليتين بإسرائيل بمصطلح "الدعم" ليس صائباً. فهذا المصطلح يعجز عن التعبير عن حقيقة مواقف وسياسات بريطانيا والولايات المتحدة تجاه إسرائيل، بل يبهم الصورة الحقيقية لتلك العلاقة. ولعل مصطلح "الدولة الوكيلة" يعد أكثر ملاءمة لتوضيح هذه العلاقة.

منذ ستينيات القرن العشرين، أدّت إسرائيل دور الدولة الوكيلة في تنفيذ العمليات القذرة ضمن إطار توسع الإمبريالية البريطانية والأمريكية بالتعاون مع أنظمة مختلفة. فتعاونها مع نظام الأبارتهايد في جنوب إفريقيا القائم على تفوق الأقلية البيضاء، كشف عن مدى الربحية الكبيرة لوضعها كدولة وكيلة. وقد حقق هذا الدور أيضًا أرباحًا كبيرة في تنفيذ المهام القذرة للأنظمة العنصرية في أمريكا اللاتينية بالنيابة عن بريطانيا والولايات المتحدة. وهذا هو السبب، الذي جعل بريطانيا والولايات المتحدة لا تتردان في انتهاك جميع القيم الغربية لدعم إسرائيل. كما يمكن تقييم علاقات إسرائيل مع إيران حتى عام 1979 في الإطار ذاته. إن فهم هذه العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا يوفر لنا إطارًا نظريًا يمكن من خلاله استيعاب مفهوم الحصانة الإسرائيلية والعلاقات ذات الأرباح الفاحشة، والتي ألهمت العديد من الأطراف الراغبة في محاكاة هذا النموذج، مما أدى إلى ظهور كيانات أخرى تسعى لتقليدها. بالطبع لا يمكن اعتبار إسرائيل مجرد أداة في يد قوى أخرى.

عندما تحرك تنظيما "غولن" و"بي كي كي" الإرهابيان على خطى بريطانيا والولايات المتحدة، انضما إلى علاقات استعمارية جديدة. هذا الإطار الجديد يشمل علاقات التنظيمين بإسرائيل، ويتيح لنا فهم تأثير كل من بريطانيا والولايات المتحدة. يجب توضيح كافة جوانب الإمبريالية. ففي الماضي، قدمت التفسيرات الطبقية التقليدية إطارًا محدودًا. إن عدم القدرة على فهم الموقف المناهض للإمبريالية الذي اتخذته تركيا منذ حوالي عام 2010 يفرض علينا إطارًا نظريًا جديدًا. واليوم يعد وجود من يصفون أنشطة تركيا في إفريقيا بأنها علاقة "استعمارية" دليلا على الارتباك والافتقار إلى الإطار النظري. وعليه، يظهر مدى الأثر السلبي للرؤية المتأثرة بنظرة "الأجنبي" عند تناول الشأن التركي. والحقيقة أن تركيا تخوض صراعًا عنيفًا ضد الاستعمار الجديد، سواء في محيطها الإقليمي أو في إفريقيا. إنّ عدم إدراك المفكرين الأتراك لهذا الدور يعزى بشكل أساسي إلى غياب إطار نظري جديد.

لقد تحرك تنظيما "غولن" و"بي كي كي" الإرهابيان نطلاقًا من نجاح إسرائيل. ويجب علينا توضيح سبب اتخاذ أتباع تنظيم "غولن" الإرهابي لخطوات أكثر تقدماً مقارنةً بتنظيم "بي كي كي" الإرهابي. ولكن سندع هذا الموضوع جانبًا في الوقت الحالي. وحتى اندلاع أحداث "جيزي"، لم يكن هناك حديث عن العلاقة بين هذين الهيكلين المستحدثين. صحيح أن كلا التنظيمين تربطهما علاقات عميقة ببريطانيا والولايات المتحدة وإسرائيل، ولكن لم يكن هناك تواصل واضح بينهما. وكان كلا التنظيمين قد اتخذا موقفًا مشتركًا حيال التوسع الأرمني، مما يدل على رغبتهما في الظهور كقوة وكيلة مثل إسرائيل. وعندما بدأت الولايات المتحدة وبريطانيا في غزو العالم الإسلامي عام 1991 رأينا كيف أن القوى الوكيلة كانت تحصل على موافقة القوى الإمبريالية المركزية. وكان تنظيم "غولن" الإرهابي في مستوى أكثر تقدمًا بكثير في علاقاته مع بريطانيا والولايات المتحدة. أما تنظيم "بي كي كي" الإرهابي فكان أكثر تشتتًا.

إن اتحاد إسرائيل مع كل من تنظيمي "غولن" و"بي كي كي" الإرهابيين ضد تركيا لسنوات يُعد حدثًا بالغ الأهمية. ولو لم تكن تركيا قادرة على تطوير مقاومة داخلية، لما كانت العلاقات بين هذه الهياكل الوكيلة لتظهر بهذا الشكل الواضح. فقد أجبرتها الأحداث على الظهور إلى العلن، وتبين جلياً تكاتفها في موقف معادٍ لتركيا. ولا يمكن فهم فقدان هيمنة الإيديولوجيات إلا في هذا الإطار. ولا يمكننا اعتبار تجاهل "فتح الله غولن" لأهم شروط الإسلام واستيعابه للقيم الإنسانية غير الدينية التي يروج لها الغرب حدثًا عاديًا. فمنذ ظهور تنظيم"غولن" الإرهابي كان في موقع معارض لجميع الإيديولوجيات، والسبب وراء ذلك أصبح أكثر وضوحًا اليوم. ولا شك في أن هذا التبني السهل للقيم الإنسانية العلمانية الغربية يتطلب تغيرًا عميقًا في العقيدة. وقد خضع تنظيم "بي كي كي" الإرهابي لعملية تغيير مماثلة، وإن كان الإطار الأيديولوجي هناك يختلف بعض الشيء. ويمكننا أيضًا تفسير عدم قدرة اللاهوت اليهودي على تفسير أفعال إسرائيل في نفس الإطار. فقد نشأت الصهيونية وتطورت كأيديولوجية استعمارية. وهذه الخاصية هي التي سهلت توحد هذه الهياكل الثلاثة في معاداة تركيا.

إن الأيديولوجيات الرجعية للاستعمار والإمبريالية اليوم لا تقدم نفسها على أنها ثورية. ولن تنجح في تحقيق أهدافها أو تنتصر.


#أمريكا
#إسرائيل
#بريطانيا
#بي كي كي الإرهابي
#تنظيم غولن الارهابي
#تركيا
#الاستعمار