بعد 21 عاما من الاعتقال، بينها 17 عاما في السجون الإسرائيلية، عاد "شيخ الأسرى" الفلسطينيين فؤاد الشوبكي إلى أحضان عائلته بمدينة رام الله وسط الضفة الغربية، ليتعرف على أجيال جديدة لم يعاصر ولادتها.
وخلال استقباله الزوار، داخل المستشفى الاستشاري (خاص) برام الله، أكد الشوبكي، في مقابلة مع "الأناضول"، أن "سنوات الاعتقال لم تكسر روح العزيمة بداخله"، مستعرضا ما عاشه داخل السجون ورؤيته للقضية الفلسطينية.
والإثنين، أفرجت السلطات الإسرائيلية، عن الشوبكي (83 عاما)، الذي كان واحدا من أكبر المعتقلين الفلسطينيين سنا في سجون الاحتلال، حتى بات يلقب بـ"شيخ الأسرى".
رؤية الأحفاد
على سرير مرضه داخل المستشفى، أشار الشوبكي بيديه إلى المحيطين به، قبل أن يقول: "أعيش اليوم مع عائلتي، صحيح أنا بالمستشفى، وأخضع لفحوصات طبية، لكنهم معي، وسأعود لبيتي لأعيش معهم".
وعن لقائه بأبنائه وأحفاده، أضاف: "منعت من رؤيتهم وتربيتهم سنوات الاعتقال، أليس من حقي أن أربيهم كما بقية الناس؟، الاحتلال فقط من يفعل ذلك".
وتابع: "اشتقت لكل شيء، لسهول وجبال ومياه وحجارة ومقدسات فلسطين التي أحب وأمضيت عمري من أجلها".
ورغم تقدمه في السن، والأمراض التي يعاني منها، أكد الشوبكي أنه "يمتلك صحة جيدة، وعزيمة أقوى".
الشوبكي، الذي وُلد بقطاع غزة في 12 مارس/آذار 1940 ودرس المحاسبة في جامعة القاهرة بمصر، يعاني مشاكل صحية مزمنة، وقبيل الإفراج عنه كان يعتمد على زملائه الأسرى لتلبية احتياجاته، وفق نادي الأسير الفلسطيني.
وحسب النادي، كان الشوبكي مسؤولا عن الإدارة المالية العسكرية لأجهزة الأمن الفلسطينية، ولازم الرئيس الراحل ياسر عرفات في تنقلاته، وعاد إلى فلسطين في 1995 عقب توقيع اتفاق "أوسلو" بين منظمة التحرير وإسرائيل (1993).
سنوات الاعتقال
وعن سنوات اعتقاله، قال الشوبكي: "الجميع يقول إنني أمضيت 17 عاما في السجون، والحقيقة هي 21 عاما، بينها 4 سنوات بسجن فلسطيني بمدينة أريحا، تحت حماية أمريكية بريطانية فلسطينية، ومراقبة جوية وأرضية إسرائيلية".
وفي 3 يناير/كانون الثاني 2002، نفّذ الجيش الإسرائيلي عملية عسكرية في عرض البحر الأحمر سيطر فيها على السفينة "كارين A"، وقال إنها كانت تحمل معدّات عسكرية، قيل إنها مرسلة للفلسطينيين.
واتهمت إسرائيل الشوبكي بالمسؤولية المباشرة عن السفينة، ووصفته بأنه "العقل المُدبّر" في تمويلها ومحاولة تهريبها، فاعتقلته السلطة الفلسطينية وسجنته بسجن أريحا عام 2002، تحت حراسة بريطانية أمريكية.
وفي 14 مارس/آذار 2006، اقتحم الجيش الإسرائيلي سجن أريحا، واعتقل الشوبكي إلى جانب أسرى آخرين، بينهم الأمين العام للجبهة الشعبية في فلسطين أحمد سعدات.
وروى الشوبكي عن ظروف اعتقاله، فقال: "السلطات الإسرائيلية حكمت علي بالسجن 17 عاما، بعد اعتقالي مع عدد من الفلسطينيين عقب اقتحام سجن أريحا، ومارست منذ اليوم الأول سياسية الإهمال الطبي بحقي، وبشكل متعمد".
الإهمال الطبي بحق الشوبكي، ظهر فيما عبر عنه بقوله: "خضعت لعدة عمليات طبية مختلفة في السجون الإسرائيلية، وكانت جميعها غير مكتملة، وبنسب نجاح تكاد تكون 50 بالمئة".
أوضاع الأسرى
وعن أوضاع الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، قال الشوبكي، إنهم "في ظروف صعبة، جراء ما تمارسه إسرائيل من سياسات عليهم".
ونقل عن الأسرى، أن "رسالتهم، هي العمل على تحريرهم، فهم لا يريدون أن يموتوا في السجون، وهذا واجب على كل فلسطيني".
وتساءل: "لماذا يحدث هذا مع الأسرى؟"، قبل أن يجيب: "فقط لأن إسرائيل تتعمد أن تبقي الأسير بحاجة إلى رعاية طبية، ويعيش ألم المرض"، ليخلص إلى أن "الأسرى شهداء مع وقف التنفيذ".
وعادة ما ينظم الأسرى الفلسطينيين إضرابات جزئية وكاملة عن الطعام، بسبب الانتهاكات بحقهم داخل السجون الإسرائيلية، كما تنظم أسرهم وقفات للتضامن مع أبنائهم، واحتجاجا على ما يلاقونه من تعنت وإهمال طبي.
وتشير تقديرات مؤسسات مختصة بشؤون الأسرى وحقوق الإنسان إلى وجود 4780 معتقلا فلسطينيا في سجون إسرائيل حتى نهاية يناير/ كانون الثاني الماضي، بينهم 160 طفلاً و29 امرأة.
الوحدة الوطنية
وعن رؤيته للانتصار للقضية الفلسطينية وتحقيق مطالبها، ذهب إلى أن ذلك عبر "إنهاء الاحتلال، الذي لن يتم إلا بالوحدة الفلسطينية"، مؤكدا أنه على "الجميع إنهاء الانقسام الفلسطيني، والتجمع تحت راية واحدة، وهدف واحد".
ودعا الشوبكي إلى الإسراع في التوافق على عقد الانتخابات الفلسطينية الرئاسية والتشريعية (البرلمانية)"، موضحا أن "الانتخابات حق لكل فلسطيني، ولكن يجب أن تشمل تلك الانتخابات مدينة القدس عاصمة فلسطين".
"شيخ الأسرى" اختتم مقابلته مع الأناضول، بقوله: "أنا أدعو للوحدة، نعم الوحدة.. الوحدة"، قبل أن يستدرك: لكن "ما أخذ بالقوة، لا يرد إلا بالقوة"، على حد تعبيره.
وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وقعت فصائل فلسطينية "إعلان الجزائر" للمصالحة وإنهاء الانقسام، الذي كان من أبرز بنوده الاتفاق على جدول زمني للانتخابات العامة، غير أن إسرائيل تمنع إجراءها في القدس.
وتعاني الساحة الفلسطينية، منذ 2007، انقساما سياسيا وجغرافيا، حيث تسيطر حركة المقاومة الإسلامية "حماس" على قطاع غزة، في حين تُدار الضفة الغربية عبر حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" بزعامة الرئيس محمود عباس.