اعتبر خبير الاستدامة والتغير المناخي عماد سعد، أن قمم الأمم المتحدة للمناخ "كوب" تعكس "صراعا سياسيا واقتصاديا بواجهة بيئية"، مؤكدا أن التقدم المحرز على أرض الواقع لحل المشاكل العالمية "أقل من حجم التحدي ورغم ذلك لا يمكن الاستغناء عن جهودها في المجال".
جاء ذلك خلال مقابلة للأناضول، مع سعد الذي يرأس "شبكة بيئة أبوظبي" (خاصة تأسست عام 2011)، للحديث عن أبرز التحديات التي تواجه أعمال قمة الأمم المتحدة للمناخ "كوب 29" الحالية في العاصمة الأذربيجانية باكو.
وتناول سعد أهمية عقد تلك القمم لحل المشاكل المناخية في العالم، كما أشار إلى الأدوار الفردية المهمة في تطبيق مفاهيم "الاستدامة البيئية" للحد من آثار تلوث البيئة.
وتحدث عن 9 تحديات أمام قمة "كوب 29" أبرزها تكيف البلدان النامية مع آثار التغيرات المناخية ورفع التمويل وزيادة تعهدات الدول المتقدمة لتقليل الانبعاثات الكربونية والعدالة ومراقبة الخطط وتوسيع التوافق الدولي.
والاثنين، انطلقت في باكو أعمال قمة "كوب 29" وتستمر حتى 22 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، بمشاركة رؤساء دول وحكومات، وشركات ناشطة في مجال الطاقة التقليدية والمتجددة، ومنظمات معنية بمحاربة تغير المناخ.
وهذا المؤتمر هو أهم اجتماع في العالم بشأن تغير المناخ تقوده الأمم المتحدة، إذ تعني كلمة COP "مؤتمر الأطراف"، أي نحو 200 دولة صدقت على معاهدة "UNFCCC" (اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ) عام 1992.
ومؤتمر الأطراف هو الهيئة التي تتخذ القرار بشأن هذه الاتفاقية ويجتمع ممثلو تلك الدول كل عام للتفاوض على أفضل الأساليب لمعالجة الأسباب الجذرية لتغير المناخ.
ويأتي عقد القمة الحالية، على وقع فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب بانتخابات الرئاسة الأمريكية، وهو الذي انسحب في ولايته الأولى 2016 - 2020 من اتفاقية باريس للمناخ، وتعد بلاده ثاني أكبر مسبب للانبعاثات الكربونية إلى الغلاف الجوي بعد الصين، وفق بيانات الأمم المتحدة.
** قمم "كوب"
الخبير سعد وصف حجم التقدم المنجز في قمم الأمم المتحدة "كوب" لمعالجة المشاكل البيئية على المستوى العالمي، بأنه "أقل من التحدي لكن في ذات الوقت جهد لا يمكن الاستغناء عنه".
واعتبر أن قمم المناخ تعكس "صراعا سياسيا واقتصاديا بواجهة بيئية".
ولفت إلى أن "حصة الصين من انبعاثات الكربون وتلوث الغلاف الجوي 32.9 بالمئة، والولايات المتحدة 12.55 بالمئة، وأوروبا 7.33 بالمئة، والهند 7 بالمئة، وروسيا 5.13 بالمئة، واليابان 2.87، بينما باقي دول العالم 32.19 بالمئة".
وأشار إلى مسؤولية الدول الصناعة الكبرى والبلدان العظمى عن هذا التلوث "إذ تبلغ انبعاثات الكربون في دول مجموعة العشرين ما نسبته 78 بالمئة، بينما لا تزيد بالعالم العربي عن 5 بالمئة".
** تحديات مناخية
تواجه مؤتمرات "كوب" تحديات علمية واقتصادية وسياسية، وفق سعد الذي أجملها في 9 نقاط رئيسية هي "القدرة على زيادة تعهدات خفض الانبعاثات الكربونية من خلال تحدي الالتزام بالخفض الطموح، فرغم تعهدات الدول في اتفاقية باريس لعام 2015، لا تزال الانبعاثات العالمية في تزايد".
ويضيف إلى التحديات "التمويل المناخي من خلال تعهدات الدول المتقدمة لدعم الدول النامية بتوفير 100 مليار دولار سنويا لتمويل التكيف مع آثار تغير المناخ وهو ما لم يتم الوفاء به بالكامل في السنوات الماضية".
وثالث التحديات كما يقول سعد يتمثل في "التكيف مع تغير المناخ خاصة في المناطق التي تعرضت بالفعل لآثار مدمرة، مثل بلدان البحر الكاريبي أو دول جنوب شرق آسيا، إذ يجب التركيز على بناء البنية التحتية المتينة وتحسين قدرة المجتمعات على الصمود".
ومشيرا إلى "تعزيز التعاون الدولي" باعتباره التحدي الرابع، شدد سعد على "ضمان تعزيز الدول المتقدمة جهودها لدعم الدول النامية ليس فقط ماليا، لكن بنقل التكنولوجيا والمعرفة بشأن كيفية التكيف مع التغيرات المناخية وتقليل الانبعاثات، وتعزيز الابتكار في التقنيات النظيفة".
** عدالة ومراقبة
خامس التحديات التي تواجه قمة "كوب 29" هو "العدالة المناخية"، وفق سعد الذي لفت إلى أن "الدول النامية وهي الأكثر تضررا تطالب باستمرار بتعويضات عن الخسائر والأضرار الناجمة عن التغير المناخي".
وفي السياق، توقع الخبير البيئي أن تناقش القمة الحالية "كيفية تحديد المسؤولية، خاصة فيما يتعلق بالانبعاثات التاريخية التي تسببت فيها الدول المتقدمة".
وتحدث عن "التنفيذ والمراقبة" وقال إنه التحدي السادس الذي يشير إلى ضرورة مراقبة تحقيق الأهداف "فرغم وجود التزامات وطنية وخطط طموحة في اتفاقية باريس، فإن تطبيق الخطط على أرض الواقع ما زال صعبا على بعض الدول بسبب عوامل اقتصادية وسياسية محلية".
وأوضح أن سابع التحديات يتعلق بمسألة "الطاقة النظيفة والتكنولوجيا لأن الانتقال إلى الطاقة المتجددة يمثل تحديا كبيرا بسبب تكاليف الاستثمار الضخمة والبنية التحتية اللازمة".
وذكر أن من الأهداف الرئيسية لقمم المناخ كان دائما "تسريع عملية الانتقال الطاقي في مختلف البلدان، إلى جانب تكنولوجيا التقاط الكربون وتخزينه، وهي من الأساليب التي قد تساهم في تقليل الانبعاثات، لكن تواجه هذه التقنيات صعوبات في تنفيذها بفعالية وبالوتيرة المطلوبة".
** توافق دولي
وبرأي سعد، فإن "التغيرات البيئية والصحية" تمثل تحديا ثامنا مهما، ويشرح ذلك بالقول إن "ارتفاع درجات الحرارة وتغير أنماط الطقس يؤديان إلى زيادة الأمراض المتعلقة بالحرارة والأمراض المعدية التي تنتقل عبر المياه ما يتطلب استجابة منسقة".
ولفت إلى أن "تغير المناخ يؤثر على الإنتاج الزراعي وموارد المياه كذلك، ما يعرض الأمن الغذائي والمائي للتهديد، خاصة في البلدان التي تعتمد على الزراعة المروية أو التي تعاني ندرة المياه".
أما التحدي التاسع والأخير أمام قمة "كوب" الحالية، وفق سعد، فهو "إيجاد توافق دولي لوضع سياسات مناخية موحدة".
وأشار إلى أن "كوب 29" تمثل "فرصة لتوسيع التعاون الدولي، ودفع عجلة التحول الطاقي، وزيادة التزامات الدول في مجال خفض الانبعاثات، مع مراعاة العدالة المناخية والتمويل الموجه إلى الدول النامية".
** تنمية مستدامة
وعن علاقة المسؤولية المجتمعية بـ"التنمية المستدامة" ودور ذلك في الحفاظ على البيئة والمناخ، أوضح سعد أن "كلاهما يعمل على بناء علاقة متوازنة بين البيئة والاقتصاد والمجتمع".
وأضاف أن "مفهوم الاستدامة موجود منذ القدم، فأجدادنا لم يستخدموا مصطلح الاستدامة للتعبير عن طريقة معيشتهم وكيفية توفير مصادر العيش والأسلوب الذي يبنون به، بل عاشوا المفهوم وطبقوه بشكل عفوي وتلقائي".
وتابع: "مفهوم التنمية المستدامة لم يظهر بين ليلة وضحاها، بل هو قائم على مقولات أخذت طريقها إلى التداول منذ ما يزيد على أربعة عقود".
وأكمل: "في البداية اصطلح على استخدام عبارة التنمية القابلة للاستمرار ثم التنمية المستديمة، قبل الاستقرار على التنمية المستدامة".
** أدوار فردية
وتأكيدا للأدوار الفردية في الحفاظ على البيئة، دعا سعد إلى "الذهاب نحو الترشيد والتكيف مع نتائج التغيرات المناخية"، مشيراً إلى "وجود علاقة طردية بين تغير المناخ ونمط العيش غير المستدام".
وأوضح في السياق ذاته أن "نمطي الإنتاج والاستهلاك غير المسؤولين يرفعان رقم البصمة الكربونية ومن ثم يرفعان مستوى الاحتباس الحراري، وبالتالي يؤديان إلى مزيد من التغيرات المناخية".
وأردف: "كلما كان نمطا الإنتاج والاستهلاك صديقين للبيئة تراجع الاحتباس الحراري وبالتالي التغير المناخي، وكلما كانا مستنزفين للموارد زاد الاحتباس الحراري وبالتالي التغير المناخي".
وتساءل الخبير البيئي: "هل الأشياء التي نشتريها مسؤولة عن معظم التغير المناخي الذي نراه اليوم؟"، وأجاب قاطعا: "نعم".
ويشرح ذلك بقوله إن "أغلب انبعاثات الكربون تعزى إلى عادات فرط الاستهلاك، فمتوسط نصيب الفرد من انبعاثات الكربون بالعالم تساوي 4 أطنان بالسنة، ولدينا 8 مليارات إنسان، ما يعني 32 تريليون طن من ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي".
ويشير سعد إلى أن تسليط الضوء على الانبعاثات الكربونية الناجمة عن فرط الاستهلاك وأثرها على التغير المناخي "ليس لإحراج الناس وتحميلهم المسؤولية دون غيرهم من الشركات والدول، بل لمساعدتهم على فهم سياق النزعة الاستهلاكية الحديثة بشكل أفضل".