في الوقت الذي تواجه فيه الولايات المتحدة واحدة من أكبر الكوارث الطبيعية في تاريخها، تبرز تصريحات الرئيس المنتخب دونالد ترامب، الذي سيتولى منصبه في 20 يناير، والتي قدَّم فيها وعودًا واضحة بالتركيز بشكل أكبر على مشاكل شعبه. ورغم أن هذه التصريحات أثارت توقعات مختلفة بشأن السياسات التي سيتبعها ترامب في الشرق الأوسط، وخاصة فيما يتعلق بغزة وسوريا، إلا أن تصريحاته الأخيرة بشأن غزة تُظهر أنه لن يتبع نهجًا يُفيد بلاده فيما يتعلق بإسرائيل، التي لطالما جلبت للولايات المتحدة مشاكل معقدة وتكاليف باهظة. فقد قال: "أريد رؤية اتفاق تبادل الأسرى على مكتبي بحلول 20 يناير، وإلا سأحول الشرق الأوسط إلى جحيم"، مُوجهًا حديثه إلى نتنياهو لتسريع الإجراءات، لكن تهديده الحقيقي كان موجهًا إلى غزة وفلسطين بل وحتى الشرق الأوسط بأكمله. وهذا النهج شهدناه عملياً في كل السياسات الأميركية، إلا أن التعبير عنه بهذا الوضوح على لسان رئيس أمريكي، أمر غير معتاد.
وتسعى إسرائيل بدعم أمريكي غير محدود منذ 7 أكتوبر، إلى تحويل غزة إلى جحيم وفقًا لتصوراتها. وبالطبع هذا يمثل معاناة كبيرة لسكان غزة، لكنهم يرون في هذا الجحيم المزعوم طريقًا شاقًا يقود إلى الشهادة والجنة، حتى وإن كان مكللًا بأبشع المجازر. أما القوة التي يواجهونها، فهي تتقمص دورًا متعجرفًا وكأنها تدّعي الألوهية، وتسعى إلى تحويل حياتهم إلى جحيم
وكأنها تسعى مثل الفراعنة لإثبات سيطرتها على الموت والجحيم. فقد قتلت حتى الآن نحو 60,000 شخص، بينهم أطفال ونساء ومدنيون وأطباء وممرضون وصحفيون ومتطوعون في مجال الإغاثة الإنسانية. إن العدوان الإسرائيلي يغذيه غضب جامح يحاكي الغضب الذي ينسبونه بوهمهم لإلههم في كتابهم المقدس. وتسعى إسرائيل لمعاقبة شعب غزة بأكمله الذين تعتبرهم أعداء لها، برجالهم ونسائهم وشيوخهم وأطفالهم وحتى حيواناتهم، في استعراض متعجرف لغطرستهم المتألهة المزعومة. إن هذا السعي لـ"فرض الجحيم"، و"تحويل الدنيا إلى جحيم"، وإدخال البشرية قسرًا في "الجحيم"، يعكس غطرسة متألهة متوحشة. وهذا بالضبط ما تفعله إسرائيل منذ السابع من أكتوبر دون أن تخفيه، متحدية العالم أجمع.
وفي الوقت الذي هدد فيه ترامب بتحويل الشرق الأوسط إلى جحيم، كانت أغنى وأرقى المناطق في الولايات المتحدة قد بدأت تشهد جهنمًا حقيقية. وكانت هوليوود تشاهد جحيم عوالم أخرى كما لو كان فيلمًا، وتنتج أفلاماً عما تشاهده من جحيم، لكنها الآن تشهد الجحيم في موطنها. إن المشاهد الناجمة عن إحدى أكبر الكوارث الطبيعية في تاريخ الولايات المتحدة لا تُرى بأي حال من الأحوال على أنها كارثة طبيعية أصابت شعبًا واحدًا فقط. ففي الوقت نفسه، تتوالى مشاهد من نفس الفيلم على مسرح الإنسانية، حيث تتدفق صور اللامبالاة تجاه الهجمات الإبادة في غزة، مع استمرار تقديم الدعم لإسرائيل رغم كل شيء. إن العاصفة التي تهب بسرعة غير مسبوقة تعصف بغضب، وتجتاح نيرانها الغاضبة كاليفورنيا.
لقد تحولت الفيلات التي تبلغ قيمتها مئة مليون دولار إلى رماد في غضون دقائق. وأولئك الذين أسسوا جنتهم في عالمهم الخاص على حساب جحيم الآخرين، يواجهون الجحيم الآن في عالمهم.
وبينما تتوالى المشاهد، نشاهد في أحدها، ربما في مشهد استرجاعي، كيف أن الدعم الأمريكي غير المحدود لإسرائيل في محاولتها تحويل غزة إلى جحيم يتم تمويله من ضرائب المواطنين الأمريكيين أنفسهم. لم تكن الحرائق التي اندلعت في كاليفورنيا كارثة طبيعية غير متوقعة. ولكنْ ما يمنع الاستعداد لمزيد من الحرائق التي تتجاوز شدتها الكثافة المتوقعة هو إهدار أموال دافعي الضرائب الأمريكيين بشكل متهور وغير ضروري وعبثي لصالح أمن إسرائيل العدوانية والمسؤولة عن الإبادة الجماعية أليس كذلك؟. هذا السؤال سيؤدي إلى انفجار سياسي كبير في الولايات المتحدة. ها هي الضربات العنيفة التي تلقتها السياسة الأمريكية منذ 7 أكتوبر مع بداية طوفان الأقصى الذي وصل إلى شواطئها.
إن تكلفة حرائق لوس أنجلوس بلغت 150 مليار دولار حتى الآن. وهذا مجرد تقدير تقريبي لأضرار المباني المحترقة والغابات، أما الممتلكات الشخصية التي أحرقت وتحولت إلى رماد فلا يمكن حصرها. سيطرح الشعب الأمريكي سؤالاً مشروعًا حول سبب عدم وجود تدابير حكومية لحماية هذه الثروة الضخمة من الكوارث الطبيعية. وفي المقابل تم تخصيص أكثر من 30 مليار دولار خلال عام واحد لإسرائيل المعتدية لارتكاب جرائم الإبادة الجماعية. إن الشعب الأمريكي محق في سؤاله هذا، ولكن لا أحد يعلم إلى أين يمكن أن تصل هذه الأسئلة.
في الواقع، تتجلى السياسة التي ينتهجها ترامب بوضوح في حملاته المناهضة لإهدار أموال دافعي الضرائب الأمريكيين على عمليات خارجية لا علاقة لها بمصالح الولايات المتحدة. فمنذ البداية عبّر ترامب عن استياء شعبي عارم من استنزاف الموارد الأمريكية في حروب عبثية تستنزف مواردها، وفي تبني دور "شرطي العالم".
وفي الآونة الأخيرة، شرع ترامب في مساءلة ميزانيات مخصصة حتى لدول مثل كندا، في خطوة لم تخطر ببال أي سياسي أمريكي آخر. فهل يُعقل أنه لا يدرك أن إسرائيل تستهلك موارد الولايات المتحدة الاقتصادية وطاقتها كالثقب الأسود؟ فإسرائيل، بارتكابها جرائم ضد الإنسانية، لا تغرق وحدها، بل تسحب الولايات المتحدة معها إلى الهاوية. هذه الحقيقة التي يدركها كل أمريكي عاقل، تمثل تحذيرًا واضحًا لمستقبل الولايات المتحدة.
أما الوجود الأمريكي في سوريا، فهو يثقل كاهل واشنطن بتكاليف باهظة دون أي منفعة تُذكر. ومن المعروف أن ترامب منذ البداية كان واعيًا لهذه المعادلة وقام بحساباتها. وتزامنًا مع الحرائق التي تعصف بالولايات المتحدة، ستتعاظم التساؤلات حول هذه السياسة وستُثار بصورة أكثر حدة. إن اعتماد الولايات المتحدة على تنظيم إرهابي حقيقي لمواجهة تنظيم إرهابي مفترض، كما في حالة دعمها لتنظيم "بي كي كي / واي بي جي" الإرهابي بحجة محاربة داعش، هو في حد ذاته وصمة عار. والدور الذي يسند إلى "واي بي جي" باسم محاربة "داعش" لا يتجاوز حاليًا دور حارس سجون لمعتقلي داعش.
وحتى لو افترضنا أن قضية سجناء "داعش" مشكلة حقيقية، فإن التكلفة الناجمة عن دعم "واي بي جي" الإرهابي تُعد فضيحة بمعايير البراغماتية الأمريكية الأسطورية. ومن منظور البراغماتية التي يعيد ترامب إحياءها، فإن قضية معتقلي "داعش" يمكن أن تُدار عبر الحكومة السورية الموحدة أو بمساعدة تركيا دون أن تُحمّل الولايات المتحدة أي تكلفة. وهذا يفتح آفاقًا جديدة تلغي الحاجة إلى وجود ""واي بي جي" الإرهابي المسلح في سوريا.
أما في تركيا، فإن العملية الجديدة التي انطلقت بدعوة من دولت بهجلي تقدم في الواقع فرصة أخيرة للتأمل في الحلول بكرامة وتعقل.
اسم BIST محمي مع الشعار وفق شهادة ماركة محمية، لا يجوز الاستخدام دون إذن، ولا يجوز الاقتباس ولا التحوير، كل المعلومات الواردة تحت شعارBIST محفوظة باسم BIST ، لا يجو إعادة النشر. بيانات السوق توفرها شركة iDealdata Finans Teknolojiler A.Ş. بيانات أسهم BİST تتأخر 15 دقيقة