تركيا العظمى بدلاً من الدولة العثمانية الجديدة

08:507/01/2025, الثلاثاء
تحديث: 7/01/2025, الثلاثاء
إحسان أكتاش

هناك مقولة لابن خلدون تعبّر بدقة عن وضعنا الحالي، إذ يصف بها نهضة الأمم وعودتها بقوله: "كالماضي أشبه بالآتي من الماء بالماء." إن أخطر ما في الإمبريالية ليس الاحتلال العسكري المباشر، بل الإمبريالية الثقافية. فالاحتلال المادي ينتهي يومًا ما، ويغادر العدو أرضك بعد أن يترك بصماته، ولكن الإمبريالية الثقافية تظل تسعى إلى إخضاع الأمة، فهي سلاح طويل الأمد يستهدف استعباد العقول، كمسامير صدئة تُدقّ في أذهان الشعوب لقرون طويلة. لقد ألحقت الدول الغربية أكبر قدر ممكن من الدمار بأمتنا التي كانت وريثة لإمبراطورية

هناك مقولة لابن خلدون تعبّر بدقة عن وضعنا الحالي، إذ يصف بها نهضة الأمم وعودتها بقوله: "كالماضي أشبه بالآتي من الماء بالماء."

إن أخطر ما في الإمبريالية ليس الاحتلال العسكري المباشر، بل الإمبريالية الثقافية. فالاحتلال المادي ينتهي يومًا ما، ويغادر العدو أرضك بعد أن يترك بصماته، ولكن الإمبريالية الثقافية تظل تسعى إلى إخضاع الأمة، فهي سلاح طويل الأمد يستهدف استعباد العقول، كمسامير صدئة تُدقّ في أذهان الشعوب لقرون طويلة.

لقد ألحقت الدول الغربية أكبر قدر ممكن من الدمار بأمتنا التي كانت وريثة لإمبراطورية عظيمة. فقد ابتكرت أفكارًا ومفاهيم مختلفة لمنعنا من الحلم بإعادة بناء دولة عظيمة، تمامًا كما فعلت مع الأفارقة الذين احتلتهم وأخضعتهم للإمبريالية الثقافية.

ومع سقوط الدولة العثمانية احتلت قوى الاستعمار الغربي جميع الأراضي التي كانت تُقام عليها الصلاة. ووطأت أقدام الجنود الإنجليز والإسبان والهولنديين والفرنسيين تلك الأراضي، فبدأت حقبة مليئة بالاحتلالات والمجازر البشرية والحروب والهزائم والصدمات النفسية وقمع محاولات المقاومة. وكانت هذه العملية تتكون من آلاف الحكايات وتمتد من أقصى الشرق إلى بلاد البلقان، ومن إفريقيا إلى الشرق الأوسط.

إن الحرب العالمية الأولى لم تكن مجرد أسطورة تُحكى في القصص الخيالية؛ بل كانت واقعًا عاشه أجدادنا بأنفسهم، فاستشهد بعضهم وجرح آخرون. ثم تلتها حرب الاستقلال التي رواها لنا كبارنا وسمعناها بآذاننا.

وفي مطلع القرن العشرين كان كبار المفكرين في العالم الإسلامي مشغولين بتوضيح أن هذه الفترة ليست سوى مرحلة عابرة وأن كل شيء سيعود إلى أصله في يوم من الأيام. لكن عظمة الحضارة الجديدة أثارت الخوف في نفوس الكثيرين، حيث ساد اعتقاد راسخ باستحالة المقاومة وضرورة الاستسلام.

وكما يحدث اليوم عندما يُتهم أولئك الذين يرفعون صوتهم ضد الجرائم والمجازر التي ترتكبها إسرائيل في غزة بالجنون ويتم نبذهم من العالم، كان أولئك الذين قاوموا الإمبراطورية الاستعمارية في تلك الفترة وحملوا في قلوبهم حلم التحرر يُعاملون بنفس الطريقة ويعاملون كمجانين.

واليوم، كما هو الحال في العديد من الدول شبه المستعمرة، يتعرض كل من يعارض نموذج الغرب للاضطهاد والتهميش من قبل دولته، ولا توجد دولة خالية من هذه الظاهرة. وعند النظر إلى القيود التي فرضتها حكومة الحزب الواحد على الشعب وتكميم الأفواه سنجد أن العداء للتاريخ والدين والثقافة لم يكن قضايا تخص الجمهورية التركية، بل كان جزءًا من أولويات المستعمرين بشكل مباشر. وإلا فكيف يمكن تفسير حظر الثقافة العالية التي أبدعتها أمة ما، مثل حظر الموسيقى الكلاسيكية التركية التي كانت قادرة على منافسة الموسيقى الكلاسيكية الغربية؟

ولم تقتصر الثقافة العالية التي أنتجتها الدولة العثمانية على المسلمين وحدهم، بل أصبحت ثقافة مشتركة بين الروم والأرمن واليهود وشعوب البلقان الذين يعيشون في إسطنبول.


هل تعود الدولة العثمانية الجديدة؟

لقد ظهر هذا الخطاب عندما شرعت الجمهورية التركية في إعطاء الأولوية لمصالحها كدولة ذات سيادة. فمع تصاعد التوتر بين تركيا والولايات المتحدة في سياق الأزمة السورية، انتشرت روايات لا أصل لها حول دعم تركيا لداعش رغم أن تركيا كانت أول دولة تحارب داعش في عملية "درع الفرات".

كما تسارعت محاولات تصوير الرئيس رجب طيب أردوغان على أنه "الإمبراطور" وخلق صورة سلبية عنه. إن سعي أي دولة لتوسيع نفوذها وتحولها إلى قوة إقليمية يُثير قلق الدول المنافسة، وهو أمر طبيعي في إطار التنافس بين الدول. إلا أن الدول الاستعمارية لا تستطيع تقبُّل هذا الوضع، وقد تظهر ردود أفعال صادمة عبر وسائل الإعلام. لكن ماذا عن "حراس الاستعمار" لدينا؟


حراس الاستعمار

ما إن تظهر أي فكرة غربية حتى تهرع إليها فئة من المتخاذلين في تركيا مستعدة للتضحية بمستقبل بلادها من أجل مصالحها الشخصية. تغضبهم إنجازات تركيا وتزعجهم مكاسب السياسة الخارجية التركية التي اكتسبت قوةً عالمية تحت قيادة أردوغان. ولا يتعبون أنفسهم حتى لطرح هذا السؤال: من نخدم نحن؟

والسمة الأساسية للمثقف المستعمَر هي تمجيد أسياده والاستخفاف بنفسه وبشعبه. لقد أصبحت هذه الفئة أسيرة للعمليات الحديثة، وبالتالي أثر هذا التداخل أيضًا على حزب الشعب الجمهوري. ففقد خطابه وأصبحت مفاهيمه فارغة، فلا يدري عن ماذا يدافع ولا ماذا يعارض.

إن وجودنا وازدهارنا في هذه المنطقة هو قدرنا. وهذا ما نسميه "تركيا العظمى". أما أنتم فاستمروا في حبكم للغرب وفي حراستهم. ولنر ماذا يقدر الله.

#تركيا
#الدولة العثمانية
#الاستعمار
#الغرب