هل يعقل أن يقدم النصح في سوريا من ينبغي أن يشعر بالخجل من موقفه تجاهها؟

08:288/01/2025, الأربعاء
تحديث: 8/01/2025, الأربعاء
ياسين اكتاي

شهدت سوريا نهاية النظام الأكثر وحشية وإجرامًا واستبدادًا وانحطاطًا في عصرنا، والذي استمر لمدة 61 عامًا، وذلك بفضل إرادة الشعب السوري الذي قرر أن يحدد مصيره بنفسه. وها نحن اليوم نرى أولئك الذين تجاهلوا كل المجازر والقتل والتعذيب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها هذا النظام على مدار 61 عامًا واستمروا في التعامل معه وتغاضوا عن جرائمه وكأن شيئًا لم يحدث، نراهم اليوم يتسابقون لتقديم النصح والإرشاد للحكومة الجديدة. هذا المنظر وحده يكشف عن العِبر التي يمكن استخلاصها وعن مدى التناقض وغرابة سلوك البشر.

شهدت سوريا نهاية النظام الأكثر وحشية وإجرامًا واستبدادًا وانحطاطًا في عصرنا، والذي استمر لمدة 61 عامًا، وذلك بفضل إرادة الشعب السوري الذي قرر أن يحدد مصيره بنفسه. وها نحن اليوم نرى أولئك الذين تجاهلوا كل المجازر والقتل والتعذيب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها هذا النظام على مدار 61 عامًا واستمروا في التعامل معه وتغاضوا عن جرائمه وكأن شيئًا لم يحدث، نراهم اليوم يتسابقون لتقديم النصح والإرشاد للحكومة الجديدة.


هذا المنظر وحده يكشف عن العِبر التي يمكن استخلاصها وعن مدى التناقض وغرابة سلوك البشر. فأولئك الذين حرموا الشعب السوري من كل أنواع المساعدة طيلة 61 عامًا، والتي شهدت انتهاكًا لكافة القيم الإنسانية، أصبحوا فجأة ينافسون بعضهم البعض في تقديم المشورة لمن أنقذ بلاده للتو، حول حقوق الإنسان ومشاركة الأقليات في الحكومة وإنشاء حكومة أكثر شمولية. 


لقد زار وزراء خارجية ألمانيا وفرنسا ومسؤولون أمريكيون سوريا في سلسلة من الفضائح البروتوكولية، تصرفوا وكأن أول ما رأوه هو احتمال تهميش الأقليات داخل الحكومة الجديدة، التي لم تكمل شهرها الأول بعد. فتحوا أفواههم وأغمضوا أعينهم وهم يرددون بلا هوادة: "الأقليات... الأقليات"




تذكير بسيط لمن يتحدثون عن حقوق الأقليات.. لقد كانت البلاد تحكم من قبل الأقليات حتى الآن


لا يمكنني وصف موقفهم بالمضحك فحديثهم ليس مضحكًا بل مقززًا. هل يعقل أن تكون أول قضية يرونها في سوريا، التي يزورونها لأول مرة منذ سنوات طويلة، هي حقوق الأقليات؟ ألم تكن سوريا تُحكم منذ البداية من قبل أقلية؟ وهل كانت هذه الأقلية تعاني من أي مشاكل تتعلق بحقوقها؟ نعم، كان هناك "مشكلة"، ولكنها لم تكن تتعلق بحرمان الأقلية من حقوقها أو تعرضها للتمييز أو الظلم.


المشكلة الحقيقية في سوريا كانت تكمن في منح أقلية معينة حقوقًا مفرطة وامتيازات استثنائية، مكنتها من فرض نظام فصل عنصري غير مسبوق على الأغلبية. ولم يبدأ هذا النظام مع عهد حافظ الأسد، بل تعود جذوره إلى الحقبة الفرنسية عندما تم بناء هيكل الدولة والجيش بما يخدم مصلحة الأقليات على حساب الأغلبية. وبعد انقلاب حافظ الأسد داخل حزب البعث، أسس حافظ مجلسًا عسكريًا كان في جوهره انقلابًا ضد بقية الأقليات، ليقتصر النظام فقط على الأقلية النصيرية. ورغم إدخال تمثيل محدود لبعض المكونات الأخرى مثل الدروز والسنة، إلا أن النظام أُسس بالكامل كديكتاتورية أقلية نصيرية كاملة.


أليس واضحاً للجميع ما فعلته هذه الإدارة الأقلية بسوريا طيلة 54 عاماً وكيف حكمتها؟ ألا تكفي السجون والمعتقلات التي تم اكتشافها في صيدنايا وتدمر وحلب ودير الزور وفي كل أنحاء سوريا، وآلات التعذيب والمجازر، والمقابر الجماعية، ووجود ملايين السوريين المهجَّرين خارج البلاد أو داخلها، ألا تكفي جميعها لشرح ذلك؟ واليوم بينما تحتفل سوريا كلها بسقوط نظام الأقلية هذا، ما الجدوى من التساؤل عما سيحدث للأقليات؟ وما هذا القلق المفاجئ؟ وبالمناسبة قد يكون كلامي مفاجئا للبعض ولكن دعوني أخبركم أن أكثر من رحبوا بسقوط النظام وهروب الأسد هم الأشخاص الذين ينتمون إلى هذه الأقلية أنفسهم، أي النصيريين.


فالأسد الذي سعى لإقامة نظام قائم على الأقلية، لم يشارك هذه الأقلية في حكومته بشكل كامل بل استغلها كمورد بشري  لمنظمته الإجرامية. إن وضع النصيريين الذين جلبهم من اللاذقية في السنوات الأولى من حكمه واستقروا في دمشق لحمايته وحماية نظامه، لا يزال يرثى له حتى اليوم، فالأحياء التي يعيشون فيها يغمرها البؤس والفقر. وكان نظام الأسد في الواقع عبارة عن سلطة أقلية حتى داخل تلك الأقلية نفسها. وبالنسبة للأسد كانت الدولة والنظام مجرد شركة عائلية، لا حقوق أو قيمة لأحد غير أسرته في هذه المنظمة الإجرامية. ولهذا السبب عندما انهار النظام كان أول من تخلّى عنه هم أفراد هذه الأقلية، لأن الأسد كان يجعل هذه الأقلية التي شاركت في جرائمه هدفًا للأغلبية من الشعب السوري. ولكن الحكومة الجديدة التي تمثل الأغلبية في سوريا تدرك هذه الحقيقة، ولن تنحرف أبدًا عن العدالة.




 عدد كبير من السنة شاركوا في جرائم نظام الأسد


إذا كانوا يهرعون لحماية المتعاونين معهم تحت ذريعة الأقليات، فعليهم أن يعلموا أن كل من شارك في الجرائم ضد الإنسانية لا عفو لهم، ولن يُنظر إلى هويته العرقية أو الدينية أو المذهبية. فقد كان هناك العديد من السنة الذين شاركوا في جرائم نظام الأسد. هؤلاء لن يتم العفو عنهم لمجرد أنهم سنة، كما أنه لن يُظلم أي شخص لم يشارك بشكل مباشر في جرائم ضد الإنسانية لمجرد انتمائه إلى أقلية معينة. هذا هو الموقف الذي سمعته شخصياً وبكثرة من قائد الثورة أحمد الشارع ومن كافة قيادات الثورة.




لا محاصصة ولا حكم الذاتي.. سوريا لن تكون كـ لبنان والعراق


إن موقف الشرع واضح وصريح تجاه من يقترحون نظام محاصصة قائم على التمثيل العرقي أو الطائفي للأقليات في الحكم واضح وجلي: لا يمكن حتى التفكير في تطبيق نظام محاصصة في الحكم أو منح امتيازات وحكم ذاتي لمجموعات معينة سواء في إدارة الدولة أو في حمل السلاح. لا فائدة من مثل هذا النظام في سوريا ذات التعددية العرقية والدينية والمذهبية، بل على العكس سيكون ضارًا. 


والوضع في العراق ولبنان، حيث فرضت القوى الخارجية في وقت سابق نظام المحاصصة، هو دليل واضح على العواقب السلبية لهذا النظام في البلدين. لقد جعل هذا النظام كلا البلدين في حالة من الفوضى والشلل الإداري. وقد أغرقت المناصب والمراكز المحددة بنظام المحاصصة البلاد في مستنقع من الفساد وأدت إلى حالة من الجمود في الإدارة. وكما أشار فيصل قاسم في صحيفة القدس العربي، فإن نظام المحاصصة الطائفي الذي كان الهدف منه في الأساس حماية الأقليات، حوَّل الدول إلى شركات تفاوضية بدلًا من شركات مساهمة. هل رأيتم يومًا شركة ناجحة تلعب فيها جميع الأطراف دور المساومة باستمرار؟


إن مجرد النظر في الوضع الذي آل إليه كل من العراق ولبنان يوضح لماذا يجب على سوريا ألا تتبنّى نظام المحاصصة، أو النظام الفيدرالي. إذ إن السوريين من جميع الأعراق والطوائف، سواء كانوا من الأكراد أو التركمان أو العرب، أو من السنة والعلويين والدروز والأرمن وغيرهم من المسيحيين، هم مواطنون متساوون في الحقوق، ولهم الحق الآن في التمتع بمعاملة عادلة وكريمة لم يشهدوها من قبل في هذا البلد. إن الظروف اللازمة والمنهج والقدرة لتحقيق هذه العدالة متوفرة بشكل كافٍ في رؤية وفلسفة وأيديولوجية الإدارة الحالية. أما أولئك الذين ظلوا صامتين أمام الأنظمة الديكتاتورية للأقليات فيجب أن يشعروا بالخجل من موقفهم، لا أن يقدموا نصائح أو حلول.



#سوريا
#نظام البعث
#الإدارة الجديدة
#أحمد الشرع
#الأقليات
#العراق
#لبنان