"لم أر في حياتي أخوين متحابين ومتعلقين ببعضهما كما كان أبي وعمّي. فقد كانا لا يفترقان في السراء والضراء. وكانت خطواتهما مشتركة. لقد جمعتهما الهجرة في المدينة المنورة لمدة 13 عامًا، ثم جمعتهما الهجرة إلى إسطنبول لمدة 13 عامًا أخرى. وظلّا متماسكين رغم كل الظروف القاسية، يساند كل منهما الآخر في سبيل الحق. وبعد كل هذا الصبر والمعاناة، تحقق النصر."
"لقد عاد عمي الشيخ أسامة ولله الحمد، اليوم إلى دمشق بكرامة. فما أجمل أن يستعيد الإنسان وطنه المسروق ويسترد حقه المغتصب! سنلتقي قريبًا في دمشق. أدعو الله تعالى أن يشفي والدي شفاءً عاجلاً سريعا."
كانت هذه الكلمات التي أرفقها الصحفي والمذيع السوري عمار الرفاعي مع فيديو نشره قبل أيام عبر حسابه على وسائل التواصل الاجتماعي. وفي الفيديو كان الشيخ أسامة الرفاعي يزور شقيقه الشيخ سارية الرفاعي، الذي كان في غيبوبة منذ حوالي شهرين في المستشفى قبل مغادرته إسطنبول للعودة إلى الشام، وكان يدعو له بالشفاء.
لا شك أنكم رأيتم جميعا المشاهد المؤثرة لعودة الشيخ أسامة الرفاعي بعد غياب دام 13 عاماً في الهجرة، إلى دمشق ليزور منزله والمسجد الذي يحمل اسم والده الشيخ عبد الكريم الرفاعي (1904-1973). وقد أضفت عودة الشيخ أسامة أجواءً احتفالية على أهل دمشق. فما زال الجميع يتذكر الهجوم الدموي الذي شنته قوات بشار الأسد على المسجد في رمضان 2011 ، والذي أصيب فيه الشيخ نفسه. لقد حذر الشيخ أسامة النظام علناً في خطبه مراراً وتكراراً، وأدان القمع الذي تعرض له الشعب ولم يتردد في الكلام. وفي النهاية اضطر إلى مغادرة البلاد بعد أن فقد أي أمل في العيش بأمان في دمشق. ولا شك أن عودة الشيخ بمثابة نقطة تحول في التاريخ الحديث لسوريا، وكانت تحمل في طياتها أكثر بكثير مما تبدو عليه.
وفي الوقت الذي كانت فيه العيون والقلوب فرحة بهذا المشهد في دمشق، نشر عمار الرفاعي يوم الاثنين خبرًا محزنًا عبر منشور قصير: "لقد جاء اليوم الذي كنت أخشاه.. انتقل أبي إلى رحمة الله". توفي الشيخ سارية الرفاعي، الذي أصيب بمرض قبل سقوط نظام البعث ودخل في غيبوبة، دون أن يسمع الأخبار السارة القادمة من بلاد الشام.
توفي الشيخ سارية الرفاعي عن عمر يناهز 77 عامًا، وكان هو وشقيقه الشيخ أسامة من أبرز علماء دمشق. وكان شقيقه يعمل إمامًا وخطيبًا في مسجد يحمل اسم والده في حي كفر سوسة بدمشق، بينما كان الشيخ سارية إمام مسجد زيد بن ثابت في وسط المدينة.
بعد أن أكمل الشيخ سارية تعليمه الأساسي على يد والده، التحق بالأزهر الشريف ليتعمق في العلوم الإسلامية، وبعد حصوله على الماجستير عاد إلى سوريا في عام 1977. وفي تلك الفترة كان نظام حافظ الأسد مشغولاً بقمع جماعة الإخوان المسلمين في البلاد بكل قوته. وكان الأسد يعتبر الإخوان ذريعة وواجهة لكل المعارضين، حيث كان يصنف جميع الشخصيات والتشكيلات المعارضة ضمن هذه الإطار. وفي عام 1980 عندما التقى الشيخ سارية والشيخ أسامة وبعض العلماء البارزين في دمشق مع حافظ الأسد للتشاور بشأن الوضع في البلاد، واجهوا تهديدًا صريحًا من النظام. وكانت الرسالة واضحة: قرر نظام البعث القضاء على كل من يعارضه وتصنيفه ضمن خانة الإخوان. لذلك اختار الشيخان الأخوان الهجرة، واستقرا في المدينة المنورة، حيث أقاما هناك لمدة 13 عامًا.
ينحدر أصل الشيخ سارية الرفاعي من مدينة حماة، وعقب عودته إلى سوريا في عام 1993 كثف اهتمامه بالدراسات العلمية. وبفضل الروابط التي أقامها خاصة مع أغنياء دمشق وتجارها أسس العديد من الجمعيات والمؤسسات الخيرية، وأنشأ منحًا دراسية، وركز على تربية الطلاب. ولهذا السبب اشتهر بلقب "شيخ التجار".
ولا تزال خطاباته وخطبه التي ألقاها في دمشق عام 2011، بصوته الرخيم وأسلوبه المؤثر حاضرة في الأذهان حتى يومنا هذا. تمامًا كما فعل أخوه لم يتردد الشيخ سارية في قول الحق وتحذير النظام. وفي إحدى خطاباته، قال: "إذا لم ترفع قوات الجيش الحصار عن مدننا ولم تطلق سراح المعتقلين فإن سوريا كلها ستنتفض. الجيش يطلب منا أن نهدأ ولكن يجب عليهم هم أن يهدؤوا. إن النظام والجيش هما من يحرضان شبابنا على الثورة والخروج إلى الشوارع. دمشق أرض مقدسة دفن فيها آلاف الصحابة. وإذا صمتنا عما يجري فيها، فإن غضب الله سيحل علينا، لا يجوز لنا أن نصمت أو نساعد هذا النظام الظالم".
رحم الله الشيخ سارية الرفاعي الذي ترك أثراً مشرفاً وصدىً قوياً بعد رحيله.
اسم BIST محمي مع الشعار وفق شهادة ماركة محمية، لا يجوز الاستخدام دون إذن، ولا يجوز الاقتباس ولا التحوير، كل المعلومات الواردة تحت شعارBIST محفوظة باسم BIST ، لا يجو إعادة النشر. بيانات السوق توفرها شركة iDealdata Finans Teknolojiler A.Ş. بيانات أسهم BİST تتأخر 15 دقيقة