هل يمكن اعتبار نهج بلينكن عقيدة واضحة؟

07:038/01/2025, الأربعاء
تحديث: 8/01/2025, الأربعاء
قدير أوستون

في سياق الحديث عن العقائد الشهيرة التي أثرت في تشكيل السياسة الخارجية الأمريكية، يصعب القول إن وزير الخارجية أنتوني بلينكن قد قدم عقيدة فعالة ذات تأثير واضح. فقد ظهر بلينكن كشخصية تنفيذية تطبق سياسات محددة أكثر من كونه مفكرًا عقائديًا، حيث شغل منصبه ملتزمًا برؤية الرئيس جو بايدن للسياسة الخارجية. ومن المنطقي أن بايدن، بخبرته الطويلة ومعرفته العميقة بقضايا السياسة الخارجية على مدار مسيرته السياسية، اختار شخصية تنفيذية بدلاً من عقائدية لهذا الدور. ورغم أن بايدن يعتبر أن الدينامية الأساسية في السياسة

في سياق الحديث عن العقائد الشهيرة التي أثرت في تشكيل السياسة الخارجية الأمريكية، يصعب القول إن وزير الخارجية أنتوني بلينكن قد قدم عقيدة فعالة ذات تأثير واضح. فقد ظهر بلينكن كشخصية تنفيذية تطبق سياسات محددة أكثر من كونه مفكرًا عقائديًا، حيث شغل منصبه ملتزمًا برؤية الرئيس جو بايدن للسياسة الخارجية. ومن المنطقي أن بايدن، بخبرته الطويلة ومعرفته العميقة بقضايا السياسة الخارجية على مدار مسيرته السياسية، اختار شخصية تنفيذية بدلاً من عقائدية لهذا الدور.

ورغم أن بايدن يعتبر أن الدينامية الأساسية في السياسة العالمية هي "الصراع بين الأنظمة الاستبدادية والديمقراطية"، إلا أن تنفيذ استراتيجية واضحة وفعالة تعكس هذا الفهم لم يتحقق بشكل ملموس. وعلى الرغم من التزام بلينكن الواضح بنهج يتماشى تمامًا مع توجهات بايدن، إلا أن السياسة الخارجية الأمريكية لم تشهد استراتيجية شاملة تسهم في توجيهها نحو مسار جديد.


وعلى الرغم من طموح إدارة بايدن في إعادة تنظيم السياسة الخارجية للولايات المتحدة واستعادة دورها كفاعل رئيسي في النظام الدولي، إلا أن هذه الطموحات لم تترجم إلى استراتيجية ملموسة تحقق هذا الهدف بوضوح.

من "أمريكا أولاً" إلى مواجهة الأنظمة الاستبدادية

واجهت السياسة الخارجية لإدارة بايدن صعوبة في وضع نهج استراتيجي شامل، حيث تأسست على رد فعل تجاه سياسات ترامب في ولايته الأولى ومحاولة إعادة بناء مصداقية الولايات المتحدة. وعند الحديث عن العقائد التي تركت بصمتها في السياسة الخارجية الأمريكية، تبرز أمثلة بارزة مثل: عقيدة جورج كينان التي ركزت على احتواء الاتحاد السوفيتي اقتصاديًا وسياسيًا وعسكريًا، وعقيدة بريجنسكي التي شددت على منع هيمنة روسيا أو الصين على أوراسيا، وعقيدة كيسنجر التي أولت أهمية للتوازنات الدولية القائمة على الواقعية السياسية بدلًا من الأيديولوجيا.


أما سياسة ترامب الخارجية، القائمة على أيديولوجية "أمريكا أولاً"، فقد أحدثت هزة في النظام الدولي، لكنها لم تقدم عقيدة منهجية على غرار كينان أو بريجنسكي أو كيسنجر. وفي المقابل، يمكن القول إن فريق بايدن، الذي بدأ مساعيه بإعادة بناء التحالفات الدولية التي أضعفتها سياسات ترامب، لم ينجح في تحويل خطاب مواجهة الأنظمة الاستبدادية إلى عقيدة منهجية ومتسقة.

عقيدة بلينكن

في مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز"، قدّم وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن تقييمه للسياسة الخارجية خلال السنوات الأربع لإدارة بايدن، مصرًّا على أنها كانت ناجحة. وعلى الرغم من أن هذا الدفاع ليس مفاجئًا، إلا أنه يبدو بعيدًا عن الواقع. أشار بلينكن إلى أن الإدارة تولت السلطة في ظل واحدة من أخطر الأزمات الصحية والاقتصادية في القرن الماضي، في وقت كان الحلفاء يشككون في مصداقية أمريكا، فيما كانت روسيا والصين تنظران إلى الولايات المتحدة كقوة متراجعة. وبهذا الوصف، حاول بلينكن الإشارة إلى أن الإدارة تسلمت "إرثًا مدمرًا"، مدعيًا أن الوضع تحسن كثيرًا خلال أربع سنوات.


ورغم هذه الادعاءات، يتجاهل بلينكن حقيقة أن خسارة ترامب تمثل رفضًا شعبيًا للسياسة الخارجية لإدارة بايدن. كما أن محاولاته تقديم انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، ودعم أوكرانيا، والجهود المبذولة للتهدئة في غزة كإنجازات، لا تتماشى مع الواقع الاستراتيجي الحالي.


من الطبيعي أن يدافع بلينكن عن سياسة بايدن الخارجية، وهناك نقاط في تصريحاته تحمل شيئًا من الصحة. ومع ذلك، فإن انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، رغم أنه يعكس التزام بايدن بإنهاء الحرب الطويلة، كشف عن غياب التنسيق مع الحلفاء، وأظهر صورة لبلد يُعاد تسليمه لطالبان بعد 25 عامًا من التدخل العسكري، مما أثار تساؤلات جدية حول الاستراتيجية الأمريكية. وبينما كان الرأي العام الأمريكي يدعم إنهاء الحروب التي لا تنتهي، فإن جعل المنطقة أكثر عرضة لنفوذ الصين وروسيا كان ليقلق استراتيجيين كبارًا مثل بريجنسكي.


وفيما يخص أوكرانيا، نجحت الإدارة في حشد دعم غربي ضد روسيا بعد الغزو، ولكن حتى الآن، لم يقدم بلينكن رؤية واضحة لكيفية إنهاء الحرب. أما في غزة، فإن تحميله المسؤولية عن عمليات التطهير العرقي التي ينفذها الاحتلال الإسرائيلي لحركة حماس، واعتباره الضغط المزعوم الذي مارسه على نتنياهو لتقديم مساعدات إنسانية إنجازًا، يعكس قصورًا واضحًا في التعامل مع القضية الفلسطينية. كما أن امتناع بلينكن عن طرح أي حلول ملموسة لهذا الملف يشير إلى غياب استراتيجية متماسكة لمعالجة واحدة من أكثر القضايا تعقيدًا في السياسة الدولية.

منذ عهد أوباما، كانت قضية الصين على رأس أولويات السياسة الخارجية الأمريكية، ومع ذلك، لم تظهر أي استراتيجية واضحة وضعها بلينكن للتعامل مع هذا الملف. تدعي إدارة بايدن أنها تتبع سياسة "تنافسية" تجمع بين المواجهة والتعاون مع الصين، لكنها في الواقع استمرت في خطوات مشابهة لتلك التي اتخذها ترامب، مثل فرض العقوبات وحظر الصادرات. ورغم حديث بلينكن عن الفوز في حرب التكنولوجيا المتقدمة ودعم أوكرانيا كرسالة تحذيرية للصين بشأن تايوان، إلا أنه لا يملك نهجًا استراتيجيًا شاملًا يضمن نجاح أمريكا في مواجهة الصين.

أما فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، فلم يُظهر بلينكن أي اعتراض على نهج إدارة بايدن، الذي تجاهل تمامًا إيجاد حلول لهذه القضية ووضعها في حالة "التجميد". ويُظهر هذا التجاهل عدم استيعاب الإدارة للتهديدات المحتملة التي قد تؤدي إلى إشعال حرب جديدة في الشرق الأوسط، وهو ما انعكس بوضوح في عدم استعداد الإدارة للأحداث التي وقعت في 7 أكتوبر. هذه المؤشرات تعكس غياب قراءة استراتيجية دقيقة في ما يسمى بعقيدة بلينكن.

ليس غريبًا أن يدافع بلينكن عن سياسات إدارة بايدن، لكن ما يثير الانتباه هو عدم قدرته على تقديم إطار استراتيجي واضح في مقابلته الأخيرة مع صحيفة "نيويورك تايمز"، وهو ما يعكس توجهًا يتجنب مواجهة التحديات الكبرى التي يفرضها النظام الدولي. قد يُقال إن جيل الاستراتيجيين الأمريكيين من حقبة الحرب الباردة قد انقرض، وربما يكون من غير المنصف توقع مقاربات عقائدية بنفس المستوى. ومع ذلك، يمكن القول إن أمريكا، التي تخسر تدريجيًا ثقلها في النظام الدولي، تحتاج الآن إلى عقيدة شاملة أكثر من أي وقت مضى.


رفض بلينكن الخروج عن دوره كـ"الجندي المخلص لبايدن" وعدم تقديمه رؤية استراتيجية متكاملة يمثل خسارة واضحة للسياسة الخارجية الأمريكية.

غياب ما يمكن تسميته بـ"عقيدة بلينكن" أدى إلى نتائج ملموسة، منها الغموض بشأن أهداف الحرب في أوكرانيا، ودعم عمليات التطهير العرقي التي يقوم بها الاحتلال الإسرائيلي، والفشل في التوصل إلى اتفاق مع إيران، بالإضافة إلى غياب إنجازات ملموسة في مواجهة الصين.


أما فيما يتعلق بسياسة ترامب، فلا يزال من غير الواضح ما إذا كان شعار "أمريكا أولاً" سيتحول في ولايته الثانية إلى استراتيجية شاملة وعقيدة فعّالة. ومع ذلك، من المؤكد أن إرث السياسة الخارجية الذي ستتركه إدارة بايدن مليء بالتحديات، مثل ردود الفعل الدفاعية في أزمات كأوكرانيا، والعودة إلى ردود الفعل الأمريكية التقليدية في دعم إسرائيل، مما يعكس عيوبًا واضحة.

#بلينكن
#السياسة الخارجية في عهد بايدن
#بايدن