غالبًا ما يقيم الرأي العام الأحداث الدولية على أساس "الأجندة الشعبية" وهم يميلون إلى توجيه هذه الأحداث لصالحهم.
وبما أن القنوات التلفزيونية والصحف على دراية بذلك، فإنها تعرض أحداث السياسة الخارجية بشكل سطحي ومبالغ فيه لبيعها للجمهور نفسه. هذا قد يجلب تصنيفًا عاليًا لفترة قصيرة، لكن سرعان ما يتشكل نسيج اجتماعي يتسم بتكرار ما يُقال دون إبداع. وهذه الظاهرة تحدث في معظم أنحاء العالم. وهي بالطبع خاطئة.
أما الدول والمؤسسات التي تشكل البنية الأمنية فهي تعمل من موقع أعلى. وبفضل إمكاناتها وقدراتها، فإنها تمتلك معلومات أكثر، مما يجعلها ترى الصورة بوضوح أكبر. لكن لا يمكن ضمان أن يقوم كلا الطرفين بعمليات "التجميع والتقييم" بشكل مثالي.
وفي السياق السوري على وجه الخصوص تنتظر جميع دول المنطقة بما في ذلك تركيا، أن يُدلي ترامب برأيه في الأزمات الحالية ومآلاتها بعد جلوسه في البيت الأبيض؛ من إسرائيل وغزة إلى تنظيم "بي كي كي/ واي بي جي" الإرهابي، مرورًا بسوريا وإيران والعراق، ويبدو أن كل القضايا محصورة في هذه المرحلة فقط.
لذلك نجد الجميع منذ أيام يشير إلى نفس الخريطة السورية بعصا، محاولين ملء الأجندة بتفاصيل متفرقة. لقد وصل الأمر إلى حد التركيز على القرى والبلدات الصغيرة في سوريا. والسبب واحد: تبلّد الرؤية تجاه الصورة الكاملة، واعتبار التحليل الجزئي وكأنه اختصاص استراتيجي. بينما الحقيقة أن كل ما يفتقر إلى نتائج استراتيجية هو مجرد تناول تقليدي.
وحتى ولو كانت المعلومات مجرد "فتات" فإن البيانات التي تصل إلى غرف الاستراتيجيات الكبرى واضحة. والمطلوب ببساطة هو استخدام البصيرة بدلاً من العصا.
إليكم هذا هناك أخبار أو ادعاءات تتحدث عن أن "الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، قد أرسل عبر مبعوث خاص رسالة إلى رئيس الوزراء العراقي، محمد السوداني يطالبه فيها بالحد من تأثير الجماعات المدعومة من إيران في العراق، ومنع انتشار الأسلحة بيد الجهات غير الحكومية في العراق، ودعم تأسيس إدارة جديدة في سوريا، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية".
هذه الخطوة تمثل مسارًا معاكسًا لما قامت به الإدارة الأمريكية الحالية البنتاغون في سوريا والعراق خلال الأيام الأخيرة. والأهم من ذلك أنها تقدم أول إشارات ملموسة حول كيفية رؤية إدارة ترامب للمنطقة، مسلطة الضوء على المنطقة الغامضة.
ومن هنا، لا تُعد الاستنتاجات المتعلقة بنظرة ترامب تجاه إيران وإسرائيل مفاجئة. ولكنها أيضًا تقدم مدخلًا جديدًا يبرر توجه الإدارة الجديدة في دمشق، وملف تنظيم "بي كي كي/ واي بي جي" الإرهابي، وتصريحات أنقرة حول "إنهاء الإرهاب". قد تكون التفاصيل صغيرة لكنها متوافقة مع السياق العام.
دعوني أواصل الحديث عن أهمية استبدال "الزاوية" بالرؤية الحقيقية. فالكنز الحقيقي هناك.
انتشرت يوم الأحد الماضي أخبار حول استقالة رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، وهو أمر أكده بنفسه لاحقًا. لنعد بالذاكرة إلى الوراء قليلاً: قبل أسبوعين تقريباً، كان ترامب قد أثار جدلاً بتصريحاته حول ضرورة أن تصبح كندا ولاية أمريكية. حينها، قوبلت تصريحاته بتجاهل، وعدَّت مجرد تقلبات أخرى في مواقفه.
قد يتساءل البعض: "وما دخل هذا؟" ولكن هناك توتر كبير أيضًا بين كندا والهند. إذ دفعت أنشطة زعيم ديني معارض للحكومة الهندية يقيم في كندا بالعلاقات بين أوتاوا ونيودلهي إلى حافة الصدام والمواجهة. وقد سجلنا هذه المعلومة في "غرفة العصف الذهني"لنعود إليها لاحقاً في إطارها المناسب. لنترك هذين الحدثين جانبًا الآن ونواصل.
بعد ذلك عاد إيلون ماسك إلى الواجهة مجددًا؛ حيث أيّد منشورًا على منصة X يدعو إلى أن يقوم الملك تشارلز بحل البرلمان البريطاني والدعوة إلى انتخابات عامة "لحماية أمن المملكة المتحدة"، مشيراً إلى ضرورة التحرك قبل فوات الأوان. وكان ماسك قد استهدف الحكومة البريطانية سابقاً، واصفاً رئيس الوزراء ستارمر بأنه "شريك في جرائم جماعية" ويجب أن يُحاسب.
ويعد موقف ترامب تجاه كندا أيضًا امتدادًا لهذه السياسة. وانتقد سياسات الطاقة في بريطانيا مؤخراً.
ولكن ما السبب وراء استهداف الإدارة الأمريكية الحالية والمستقبلية لكل من بريطانيا، التي طالما اعتبرتها دولة متميزة، وكذلك كندا، بل وحتى الهند؟
إن النقطة الحاسمة في العلاقات الأمريكية الهندية كانت قمة العشرين التي استضافها رئيس الوزراء مودي عام 2023. حيث قدَّم بايدن، إلى جانب رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، تقريراً أعدته دول "العيون الخمس" (بريطانيا والولايات المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا)، لمودي يتهم الهند بالتورط في "جرائم دولية" في أمريكا الشمالية.
وكان لهذا الاجتماع أبعاد هامة تتعلق بتركيا أيضاً؛ إذ أعلن بايدن ومودي عن مشروع "خط الهند والخليج وإسرائيل والبحر المتوسط وأوروبا"، الذي يتقاطع مع مشروع "خط التنمية" الذي يربط الهند بالخليج والعراق وتركيا وأوروبا. وقد أثار هذا المشروع استياء أنقرة التي أعلنت معارضتها له بشكل صريح.
ومن منظور اليوم فإن الأحداث التي تجري في سوريا وأوكرانيا تثبت أن هذه الخطوط المتضاربة تشكل جزءًا من الاصطفاف في محور الشرق والغرب. (الخط الذي تقوده تركيا والذي تعزز بإنهاء كييف لاتفاق الطاقة بين روسيا وأوروبا، يتوسع ليشمل القوقاز).
كان مشروع الولايات المتحدة والهند والخليج وإسرائيل يهدف إلى تقويض خط الصين وروسيا وإيران والعراق وسوريا، إضافة إلى تدمير سياسات تركيا، التي كانت مشروعها الأصلي والتي تقدم خريطة سياسية إقليمية جديدة و"جيدة".
لنُبسّط الأمر: أمريكا في عهد ترامب غير راضية أبدا عن سياسة بريطانيا تجاه أوروبا وروسيا، وراضية نوعا ما، عن سياساتها في الشرق الأوسط بما في ذلك سوريا.
ولنتذكر أيضًا تصريحات ماسك حول السياسة الداخلية الألمانية ودعمه لحزب "البديل من أجل ألمانيا" الشعبوي واليميني الصاعد. هذه التصريحات تعكس رغبة في تغيير سياسات الغرب وبريطانيا تجاه روسيا. فحزب البديل من أجل ألمانيا يشكك في الاتحاد الأوروبي وغير راضٍ عن موقف برلين تجاه روسيا.
لم يعد لدينا مجال للحديث عن زيارة ماسك للصين، ولكن يكفي أن ننظر إلى الهدايا التي قدمتها الحكومة لبايدن وزوجته من نيودلهي لفهم هذه الخريطة.
هذه هي الأدلة القوية التي تشير إلى طبيعة سياسات ترامب "المجهولة"، سواء على المستوى الخاص أو العام.
فهل العين أصدق أم العكاز؟
اسم BIST محمي مع الشعار وفق شهادة ماركة محمية، لا يجوز الاستخدام دون إذن، ولا يجوز الاقتباس ولا التحوير، كل المعلومات الواردة تحت شعارBIST محفوظة باسم BIST ، لا يجو إعادة النشر. بيانات السوق توفرها شركة iDealdata Finans Teknolojiler A.Ş. بيانات أسهم BİST تتأخر 15 دقيقة