يكاد يكون السؤال الأكثر ترددا في إسرائيل حاليا هو أنه إذا كان ممكنا التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان، فلماذا لا يتم التوصل لاتفاق مماثل في قطاع غزة.
وفي الرابعة من فجر الأربعاء بتوقيت بيروت (02:00 ت.غ)، بدأ سريان وقف للقتال بين "حزب الله" وإسرائيل التي تنفذ عدوانا مدمرا على لبنان وإبادة بقطاع غزة منذ أكثر من 14 شهرا.
وليس ثمة إجابة رسمية في إسرائيل على السؤال، وإن كان كثيرين يعتبرون أن وقف إطلاق النار بالقطاع أكثر إلحاحا لوجود 101 أسير إسرائيلي محتجزين لدى الفصائل الفلسطينية في غزة.
اللواء احتياط نوعام طبعون، قال لإذاعة "103 أف أم"، الأربعاء: "السخرية هنا هي أننا لو توصلنا إلى مثل هذا الترتيب في الشمال (لبنان)، بينما من الممكن التوصل إلى ترتيب مماثل في الجنوب (غزة) منذ وقت طويل وإعادة مواطنينا" في إشارة إلى الأسرى.
** الجماعة المتطرفة
ووفق يائير غولان، زعيم تحالف "الديمقراطيون" المعارض، في حديث للإذاعة ذاتها، فإن "الاختبار الأهم هو إنهاء الحرب في الجنوب" أي غزة.
وأضاف غولان، وهو النائب الأسبق لرئيس أركان الجيش: "إذا كان من الممكن التوصل إلى اتفاق مع حزب الله، فلماذا لا يمكن التوصل إلى اتفاق مع حماس وإطلاق سراح المختطفين (الأسرى الإسرائيليين)؟".
وتابع: "القتال مستمر فقط لأن (رئيس الوزراء بنيامين) نتنياهو يعتمد سياسيا على الجماعة المتعصبة والمتطرفة التي تريد الحرب إلى الأبد"، في إشارة إلى وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش.
ويهدد بن غفير وسموتريتش بإسقاط حكومة نتنياهو في حال قبولها باتفاق لوقف إطلاق النار بقطاع غزة، ويدعوان إلى إعادة احتلاله، وإقامة مستوطنات فيه، وتهجير نحو 2.3 مليون فلسطيني منه.
وفي كلمة له أمام لجنة برلمانية الأربعاء، قال بن غفير: "لن أطلق سراح آلاف السنواريين"، في إشارة إلى يحيي السنوار رئيس المكتب السياسي لـ"حماس"، الذي اغتالته إسرائيل والذي سبق أن أُطلق سراحه بصفقة تبادل عام 2011.
وتطالب "حماس" بإطلاق سراح أسرى فلسطينيين (نحو 9 آلاف و500 أسير) في السجون الإسرائيلية، كجزء من أي اتفاق لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين.
ومساء الثلاثاء استهل نتنياهو تصريحا دافع فيه عن وقف إطلاق النار مع "حزب الله" بالقول: "سنكمل القضاء على حماس، وسنعيد جميع مخطوفينا، وسنضمن أن غزة لن تشكل تهديدا لإسرائيل".
وأضاف: "الحرب لن تنتهي قبل أن نحقق كافة أهدافها".
ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 ترتكب إسرائيل بدعم أمريكي إبادة جماعية بقطاع غزة، خلفت نحو 149 ألف قتيل وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قاتلة.
ورغم أكثر من 14 شهرا من الإبادة، إلا أن إسرائيل لم تتمكن من تحقيق الأهداف المعلنة للحرب، ولا سيما إعادة الأسرى والقضاء تماما على قدرات "حماس".
** أكبر كارثة
وتتصاعد في إسرائيل دعوات لإعادة الأسرى من غزة باتفاق مع "حماس" التي تصر في المقابل على إنهاء الحرب وانسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع.
وقال زعيم المعارضة يائير لابيد، عبر منصة "إكس" مساء الثلاثاء: "أكبر كارثة في تاريخنا حدثت في عهد نتنياهو. أي اتفاق مع حزب الله لن يمحو الفوضى".
وزاد بأنه "توجد حاجة ملحة للتعامل مع قضية المختطفين وإعادة المواطنين المهجرين (المستوطنين) إلى وطنهم (المستوطنات)".
ويقول مراقبون إسرائيليون إنه إذا كان أحد مبررات نتنياهو لوقف القتال ضد "حزب الله" هو أن الحزب تلقى ضربات موجعة، فإن الوضع نفسه ينطبق على "حماس".
** إعادة الأسرى
واعتبرت صحيفة "هآرتس" في افتتاحيتها الأربعاء أن "أعلى واجب أخلاقي لإسرائيل هو وقف الحرب في غزة أيضا".
وقالت: "لا ينبغي أن يأتي الاتفاق في الشمال (لبنان) مقابل استمرار القتال في الجنوب (غزة) إسرائيل زرعت في غزة الدمار والخراب والموت بأبعاد تاريخية".
"وعلى نحو مماثل وربما أكثر من أي شيء آخر، فإن استمرار الحرب بغزة يعني عمليا التخلي عن إعادة الرهائن"، وفق الصحيفة.
وأردفت: "من بين 101 إسرائيلي ما زالوا أسرى لدى حماس، يُعتقد أن نصفهم تقريبا على قيد الحياة. وهم لا يملكون الوقت وبالكاد يتنفسون الهواء".
ورأت أن "الحكومة الإسرائيلية لابد وأن تنظر إلى انتهاء القتال في الشمال باعتباره خطوة مهمة على الطريق نحو إنهاء كل أشكال القتال في الجنوب أيضا".
و"يتعين على إسرائيل أن تتحرك نحو التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار واتفاق بشأن الرهائن لإنقاذ حياتهم.. الآن هو الوقت المناسب للتحرك"، كما زادت الصحيفة.
** اختباء نتنياهو
ومبررا اتفاق وقف إطلاق النار، قال نتنياهو الثلاثاء إن "حزب الله اختار الاعتداء علينا في الثامن من أكتوبر. ومضى عام على ذلك التاريخ ولم يعد هو حزب الله نفسه".
وادعى: "أعدناه عشرات السنين إلى الوراء، وقضينا على (أمينه العام حسن) نصر الله وجميع مسؤولي المنظمة، ودمرنا معظم صواريخها وقذائفها الصاروخية، وقضينا على آلاف المسلحين، ودمرنا البنى التحتية المتاخمة لحدودنا".
ولكن يشكك خبراء أمنيون إسرائيليون بصحة أقوال نتنياهو، ومنهم اللواء احتياط طبعون، الذي قال إن "إحدى مشاكل هذا الاتفاق هي أننا لا نفهم ما وقَّعوا عليه، هذه هي طريقة نتنياهو المعتادة، الاختباء وعدم قول الحقيقة للشعب. ليس لدي أي ثقة بالحكومة".
أما غولان فقال عن نتنياهو: "هذا الرجل جبان، لم يجرؤ أبدا على تحدي حزب الله".
وتوجه عائلات الأسرى الإسرائيليين الاتهام إلى نتنياهو بعرقلة التوصل إلى اتفاق لتبادل الأسرى لاعتبارات سياسية خاصة، أبرزها استمراره في السلطة.
ومن أبرز بنود اتفاق وقف إطلاق النار، وفق تسريبات إعلامية لبنانية وإسرائيلية، انسحاب إسرائيل تدريجيا من جنوب الخط الأزرق (الفاصل) خلال 60 يوما، وانتشار قوات الجيش والأمن اللبنانية على طول الحدود ونقاط العبور والمنطقة الجنوبية.
وستكون القوات اللبنانية هي الجهة الوحيدة المسموح لها بحمل السلاح جنوب لبنان، مع تفكيك البنى التحتية والمواقع العسكرية ومصادرة الأسلحة غير المصرح بها، وإنشاء لجنة لإشراف والمساعدة في ضمان تنفيذ هذه الالتزامات.
وأسفر العدوان الإسرائيلي على لبنان عن 3 آلاف و823 قتيلا و15 ألفا و859 جريحا، بينهم عدد كبير من الأطفال والنساء، فضلا عن نحو مليون و400 ألف نازح، وجرى تسجيل معظم الضحايا والنازحين بعد 23 سبتمبر الماضي، وفق رصد الأناضول لبيانات رسمية لبنانية حتى مساء الثلاثاء.
في المقابل قُتل 124 إسرائيليا بينهم 79 جنديا، وتعرض أكثر من 9 آلاف مبنى و7 آلاف سيارة لتدمير كامل في شمال إسرائيل بفعل نيران "حزب الله" منذ سبتمبر الماضي، وفق القناة "12" وصحيفة "يديعوت أحرونوت" العبريتين.
وتحتل إسرائيل منذ عقود أراضي عربية في لبنان وسوريا وفلسطين، وترفض قيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود ما قبل حرب 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.