فهم مجريات التاريخ

08:5027/11/2024, Çarşamba
تحديث: 27/11/2024, Çarşamba
طه كلينتش

قد لا يبدو مقنعًا التأكيد على أن صورة إسرائيل العالمية قد تضررت بشدة ولا يمكن إصلاحها، خاصة بالنظر إلى الدعم الرسمي الذي تقدمه "الدول العظمى" للاحتلال الصهيوني. لقد لاحظت أن مقالي الذي نشر يوم السبت الماضي أثار بعض التساؤلات حول هذه النقطة. وعند النظر إلى الصورة من منظور بعض القراء الكرام، قد تبدو آراؤهم صحيحة من وجهة نظرهم. ولكن، من أجل رؤية الأحداث من منظور أكثر واقعية، أود أن أذكر بعض النقاط وأُبرز بعض الجوانب الهامة: ـ عندما نتحدث عن إسرائيل والاحتلال الصهيوني ونركز باستمرار فقط على تشتت المسلمين،

قد لا يبدو مقنعًا التأكيد على أن صورة إسرائيل العالمية قد تضررت بشدة ولا يمكن إصلاحها، خاصة بالنظر إلى الدعم الرسمي الذي تقدمه "الدول العظمى" للاحتلال الصهيوني. لقد لاحظت أن مقالي الذي نشر يوم السبت الماضي أثار بعض التساؤلات حول هذه النقطة. وعند النظر إلى الصورة من منظور بعض القراء الكرام، قد تبدو آراؤهم صحيحة من وجهة نظرهم. ولكن، من أجل رؤية الأحداث من منظور أكثر واقعية، أود أن أذكر بعض النقاط وأُبرز بعض الجوانب الهامة:

ـ عندما نتحدث عن إسرائيل والاحتلال الصهيوني ونركز باستمرار فقط على تشتت المسلمين، وضعف حالتنا، وتفكك العالم الإسلامي، والقصف الذي نتعرض له، والقتلى والجرحى، وما إلى ذلك، فإن عدة أمور تحدث في الوقت ذاته: فجبهة الاحتلال تستمتع بهذا الخطاب وتعزز معنوياتها. ويغطي اليأس قلوب أجيالنا الشابة. ونغفل نحن عن رؤية التصدعات العميقة والشقوق الكبيرة في جبهة الاحتلال. لذلك، أفضل أن أسلط الأضواء عليهم بدلاً منا. وأؤكد على ضرورة مناقشة القضية الفلسطينية من خلال التركيز على الخسائر والضعف المتعدد الأبعاد الذي يعاني منه الصهاينة.

ـ لم يحقق الصهاينة المكاسب التي يتمتعون بها اليوم بين ليلة وضحاها. إننا نواجه مشروع احتلال استغرق بناؤه قرنين من الجهد المكثف، ومن الخطأ الاعتقاد بأن مشروعا استعماريا بهذا الحجم يمكن أن ينهار بسهولة. فقبل قرن من الزمن، لم تكن إسرائيل تمتلك سوى جزء يسير مما تملكه اليوم، وهذا يعني أنه لا يوجد ما يضمن أنهم لن يشهدوا تراجعًا شاملًا وانهيارًا في جميع المجالات بعد قرن من الزمان. بل بالنظر إلى مجريات التاريخ، من المؤكد أنهم سيتعرضون لهذا التراجع والانهيار.

ـ إذا نظرنا إلى المسألة من منظور "الحكمة الإلهية"، نرى أن الظالمين والمحتلين يُمنحون فترة من الوقت. إن العصور والأحداث التاريخية مثل كفتي الميزان، تصعد وتنزل في فترات زمنية معينة. ويتعاقب الخير والشر كما يتعاقب الليل والنهار. وكل شخص يخضع لامتحان خاص به عندما يحين دوره. ومن هذا المنظور، فإن تصور عالم خالٍ من الظلم والجور، حيث يعيش الجميع في سلام ورخاء، هو حلم جميل ولكنه غير واقعي.

ـ لقد علمنا ديننا أن ندعو الله قائلين: {ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين} (يونس 85). وذلك تمهيداً لهذه الحقيقة العظيمة، ولتوضيحها وفهمها. فالظالمون يخضعون لاختبار خاص بهم، والمظلومون هم محور هذا الاختبار، فالظالم يختبر بذنبه وجرمه، والمظلوم يختبر بصبره وتحمله.

ـ رغم وجود مهلة إلهية للظالمين والمحتلين، إلا أن الجهود المبذولة لإنهاء الظلم قد تُقصِّر من مدة هذه المهلة. فمثلاً لو أن العالم الإسلامي اتخذ موقفاً حازماً وحاسماً تجاه قضية غزة، كما كان متوقعاً منه، لما شهدنا هذا الدمار الهائل، ولربما تم كسر شوكة المحتل في وقت مبكر، وأحبطت جميع مخططات الصهاينة. ولكن لم يحدث في تاريخ العالم أن تم إيقاف ظلم أو احتلال منذ وقوعه فوراً.

ـ من أكبر الأخطاء التي يمكن ارتكابها عند التفكير في ديناميات الحياة هي تجميد الأحداث الحالية وتجنب التفكير المتماسك في المستقبل. إن الصدمات الكبرى، والإبادة الجماعية، والمجازر التي يعاني منها البشر تقيدهم في الزمن الذي يعيشون فيه، وهو أمر طبيعي للغاية. ولكن عجلة التاريخ لا تتوقف. فاليوم له غد. والعالم الإسلامي بحاجة إلى كوادر مؤهلة وديناميكية قادرة على تجنب تكرار أخطاء اليوم والوقوف بثبات في وجه الأزمات المستقبلية، وأداء ما يُطلب منها. إن الانشغال بحزن اليوم والإفراط في تفكير المرء قد يحرم الإنسان من عزمه وإرادته لبناء المستقبل. هكذا تتحول الصدمات إلى صدمات جديدة، ويصبح البؤس والشقاء واليأس وجهة حتمية لا مفر منها.

ـ إن الحفاظ على الهدوء والتمسك بمبادئ ثابتة في أوقات الأزمات أمر صعب، ولكن المتوقع من المسلمين، الذين يفهمون التاريخ ويدركون الحكمة الإلهية، والقوانين الثابتة التي وضعها الله في هذا العالم، أن يتجاوزوا ردود الأفعال العاطفية والسلوكيات السطحية التي يُمكن أن تصدر عن الذين يجهلون هذه الحقائق، وأن يتصرفوا بوعي ومسؤولية. هذه هي الرسالة التي يحملها التاريخ والجغرافية إلى الأمة الإسلامية.


#التاريخ
#المستقبل
#الصهاينة
#إسرائيل
#الاحتلال
#الإسلام