عدم الاكتراث الجماعي

08:4225/11/2024, Pazartesi
تحديث: 27/11/2024, Çarşamba
سليمان سيفي أوغون

في طفولتنا، كانت زيارة السينما أشبه بطقس خاص ومميز. لم تكن المتعة تقتصر على الفيلم المعروض فقط، بل كان التحضير للذهاب إلى السينما جزءًا من التجربة: شراء التذاكر، الدخول إلى قاعة مزخرفة تشبه القصور، الجلوس على مقاعد مريحة، سماع صوت الجرس، ثم مشاهدة أولى لقطات الفيلم وهي تظهر على الشاشة البيضاء. كل هذه المراحل كانت تحمل شيئًا من السحر والروعة. حتى بعد انتهاء الفيلم، كانت وجوه الناس عند خروجهم من القاعة تبدو مختلفة، مليئة بشرود وهدوء، وكأنهم ما زالوا يعيشون في أجواء الفيلم، بعيدًا عن صخب الحياة اليومية.

في طفولتنا، كانت زيارة السينما أشبه بطقس خاص ومميز. لم تكن المتعة تقتصر على الفيلم المعروض فقط، بل كان التحضير للذهاب إلى السينما جزءًا من التجربة: شراء التذاكر، الدخول إلى قاعة مزخرفة تشبه القصور، الجلوس على مقاعد مريحة، سماع صوت الجرس، ثم مشاهدة أولى لقطات الفيلم وهي تظهر على الشاشة البيضاء. كل هذه المراحل كانت تحمل شيئًا من السحر والروعة. حتى بعد انتهاء الفيلم، كانت وجوه الناس عند خروجهم من القاعة تبدو مختلفة، مليئة بشرود وهدوء، وكأنهم ما زالوا يعيشون في أجواء الفيلم، بعيدًا عن صخب الحياة اليومية.

السينما كانت تجربة تمحو فيها الحدود بين الواقع والخيال بطريقة مدهشة. بخلاف المسرح، حيث يبقى المشاهد دائمًا في موقع المتفرج، تغمر السينما المشاهد داخل أحداثها. وكان هذا الإحساس واضحًا جدًا في أفلام الرعب؛ حيث تشعر وكأن أنياب مصاص الدماء تخترق عنقك، أو أنك تهرب من قاتل مرعب. في مشاهد الخوف، كان الكثيرون يغمضون أعينهم أو يختبئون خلف من يجلس بجانبهم. ودائمًا ما يتدخل أحدهم ليقول: "لا تقلقوا، إنه مجرد فيلم!"، في محاولة لتهدئة نفسه قبل أن يطمئن الآخرين.

في السينما، يجد المشاهد نفسه يخرج من واقعه ليغوص في عالم الفيلم خلال ساعة أو ساعتين. هذا الانغماس قد يكون عبر مشاعر مثل الخوف والرعب، أو من خلال تجربة ملحمية خيالية تخدعه ليشعر وكأنه جزء من الأحداث، متقمصًا أحد الشخصيات. ولهذا السبب، قامت قطاعات سينمائية تقليدية، وعلى رأسها هوليوود، بإنتاج أفلام تصور أحداثًا يرغب الناس بشدة في تجربتها، لكنها مستحيلة الحدوث في حياتهم الواقعية. هذه الأفلام، التي أصبحت أيقونية بفضل حملات دعائية مؤثرة، وصلت إلى ملايين بل مليارات المشاهدين. كانت هذه العلاقة تُرضي الطرفين؛ المنتجين الذين حققوا أرباحًا هائلة، والجمهور الذي عاش تجربة خيالية ممتعة.

شخصيًا، أعتقد أن سلوكيات وتصرفات البشر قبل ظهور السينما تختلف تمامًا عن أنماطها بعد ظهورها. فعلى سبيل المثال، نطلق على كل ذلك ببساطة اسم "السلوكيات". لكن سلوكيات ما قبل السينما كانت عفوية وغير مصطنعة إلى حد كبير، بينما أصبحت سلوكيات ما بعد السينما مشفرة ومصنفة، أي أقرب إلى ما يُسمى "آداب التصرف". يمكن اعتبار ذلك بمثابة ديمقراطية لأنماط السلوك المصنفة والمصقولة، التي كانت يومًا حكرًا على طبقة الأرستقراطيين. سواء أدركنا ذلك أم لا، فإن حركاتنا وسلوكياتنا اليوم متأثرة بما شاهدناه في الأفلام، حيث نتقمص تصرفات الممثلين والممثلات الذين تأثرنا بهم.


كان شكسبير، قبل بدء العرض، يخرج على المسرح ليذكر الجمهور بأن العالم مسرح كبير، حيث لا يوجد فصل حقيقي بين المشاهد والممثل، فالجميع يعيشون على خشبة المسرح. مع مرور الزمن، تحولت فكرة "مسرح العالم"، التي تشير إلى تداخل الحياة مع المسرح، إلى "سينما العالم"، حيث أصبحت السينما تمثل هذا التداخل بطريقة أكثر واقعية ومباشرة، دون الحاجة إلى التذكير بالمفهوم كما كان يفعل شكسبير.


لكن، خلال نصف القرن الأخير، أحدثت الثورات البصرية التي شهدناها تغييرًا جذريًا في علاقة التماهي التي نجح المسرح في التعبير عنها جزئيًا، وتمكنت السينما التقليدية من تحقيقها بالكامل. اليوم، تصلنا أخبار الحياة وإشعاراتها عبر الصور. ومع تزايد الصور وغمر العالم بها، تفقد هذه الصور تدريجيًا معناها. لم نعد قادرين على استنباط المشاعر من الصور، لأننا بحاجة إلى لحظات من الاستقلالية نخرج فيها من هذا السيل البصري ونعيش مع انطباعات الصور في عزلة وتأمل. ولكن، هذا القصف البصري لا يتوقف أبدًا؛ فقبل أن تنتهي صورة، تبدأ أخرى. وهكذا، حلت التجارب العاطفية (emotional) التي لا تسمح بالتماهي محل التجارب الشعورية (feelings) التي كانت تخلق التماهي.

يمكننا رؤية ذلك في التحولات الدرامية التي طرأت على السينما التقليدية. أصبحت المسلسلات (serial) الاسم الجديد للسينما التقليدية. لم تعد السينما تعكس حياتنا، بل أصبحت حياتنا تعكس السينما. في الماضي، كانت السينما التقليدية تمتد داخل حياتنا. أما الآن، فقد أصبحت حياتنا هي التي تمتد داخل السينما التقليدية. هذا ليس مجرد عملية ديمقراطية، بل هو عملية شديدة الديمقراطية أو أقرب إلى ديمقراطية فوضوية. في الماضي، كنا نعيش في السينما تجارب افتراضية لأشياء مستحيلة الحدوث، وكانت تلك التجارب تترك فينا أثرًا ينعكس على تصرفاتنا وسلوكياتنا. أما اليوم، فنحن نرغب في أن تُكمل الشاشة، سواء كانت شاشة السينما أو التلفاز، كل ما ينقص داخلنا من مشاعر أو رغبات لم تظهر إلى السطح أو لم نستطع التعبير عنها.

هذا العالم مختلف تمامًا عن رؤية شكسبير، حيث ينفصل فيه الجمهور بشكل واضح عن المسرحية والممثلين. هناك من يؤدي الأدوار، وهناك من يشاهد. ولكن الحقيقة هي: هناك من يلعب بنا أدوارًا، ونحن نشاهد أنفسنا في هذه الأدوار. هذه الظاهرة تعكس ارتباط هذه الثقافة بالنرجسية. نرجس، في جوهره، هو المشاهد المثالي؛ علاقته بصورته المنعكسة ليست علاقة عاطفية، بل علاقة هوسية. هذا الهوس يتمثل في حالة جامدة، حيث يتطابق الرائي والمرئي تمامًا دون أي حاجة لعملية التماهي. ولتخفيف هذا الجمود، يبحث الناس باستمرار عن تجارب جديدة أو يتزينون ويتظاهرون بشيء جديد. أما بالنسبة للإشعارات والصور المرئية الأخرى، فإنها تحتاج دائمًا إلى محفزات إضافية لجذب الانتباه.

إن ارتباط الإنسان الحديث بالصور هو في الأساس ارتباط يعتمد على الفضول الهوسي تجاه كل صورة جديدة. يتوقع من كل صورة أن تكون أكثر إثارة للمشاعر من التي سبقتها، لدرجة أن تُنسيه الصور السابقة. وإن لم يحدث ذلك، يشعر بالملل ويتركها. لهذا السبب، لا تهم أسباب الأحداث أو نتائجها، سواء كانت مادية أو معنوية. وحتى النقاشات الأخلاقية تُعتبر غير ضرورية. المهم هو تصاعد الأحداث وما يرافقه من إثارة ومشاعر متزايدة.


الآن نفهم، أليس كذلك؟ لماذا يتابع الناس صعود حرب كبرى قد تُفني البشرية بهذا القدر من الهوس واللامبالاة، دون أن يحاول أحد إيقافها؟ يبدو أن كل شيء سيحدث فجأة، وأمام أعين الجميع دون أن يُحرك أحد ساكنًا...

#الأفلام
#المسلسلات
#تأثير المسلسلات والأفلام
#مسرح