تجارب النساء مع الحجاب في عصرنا

08:284/12/2024, الأربعاء
تحديث: 4/12/2024, الأربعاء
ياسين اكتاي

احتلت قضية اللباس مكانة مركزية في مسيرة تطوير تركيا، وخاصة خلال فترة الجمهورية، كجزء من جهود النظام الجديد لإثبات وجوده وترسيخ نفسه. ويمكننا وصف هذه الظاهرة من منظور علم الاجتماع الجسدي على النحو التالي: سعى النظام الجديد لإنشاء جسد سياسي جديد عبر تفكيك الجسد السياسي القديم (النظام السابق) وإعادة تشكيله، وكانت أسهل طريقة لتحقيق ذلك هي فرض رموزه الخاصة على الأفراد. ولذلك لم يكن قانون القبعة مجرد مسألة تغيير في المظهر أو محاولة للتمدن، بل كان تعبيراً صريحاً عن رغبة النظام الجديد في ممارسة سلطته على

احتلت قضية اللباس مكانة مركزية في مسيرة تطوير تركيا، وخاصة خلال فترة الجمهورية، كجزء من جهود النظام الجديد لإثبات وجوده وترسيخ نفسه. ويمكننا وصف هذه الظاهرة من منظور علم الاجتماع الجسدي على النحو التالي: سعى النظام الجديد لإنشاء جسد سياسي جديد عبر تفكيك الجسد السياسي القديم (النظام السابق) وإعادة تشكيله، وكانت أسهل طريقة لتحقيق ذلك هي فرض رموزه الخاصة على الأفراد. ولذلك لم يكن قانون القبعة مجرد مسألة تغيير في المظهر أو محاولة للتمدن، بل كان تعبيراً صريحاً عن رغبة النظام الجديد في ممارسة سلطته على الأفراد وإخضاعهم لانضباطه.

في بداية الجمهورية استهدفت الممارسات التي تسعى إلى تجسيد السلطة عبر اللباس، جسد الرجل من خلال فرض القبعة وبعض الأزياء الأخرى. وعلى الرغم من تطبيق استراتيجيات مختلفة للسيطرة على جسد المرأة من خلال اللباس، إلا أن التركيز الأول كان على الرجل من خلال القبعة. ولكن بمجرد أن وصل الرجال إلى مستوى معين من الانضباط، تحول التركيز إلى جسد المرأة فأصبح محورًا للصراع من خلال قضية الحجاب. ومن المثير للاهتمام أن النساء، بعد أن اكتسبن مظهراً غربياً كافيا في نظر السلطة عبر تلك الاستراتيجيات، عاد الحجاب في أواخر السبعينيات وبداية الثمانينيات ليظهر كرمز للتمرد على سياسات الجسد تلك. ولذلك، لجأت السلطة إلى وصف الحجاب بأنه رمز للتطرف والرجعية كردّ فعل دفاعي على هذا التحدي.

لا شك في أن النساء اللاتي اخترن ارتداء الحجاب في تركيا قد مثّلن نموذج "المرأة الحرة، المستقلة، الفردية" بخصائصه الكاملة بشكل أكبر بكثير مما يزعمه الكماليون أنفسهم. فقد كنّ، من خلال ارتدائهن للحجاب، يجرؤن على مواجهة الدولة وتحدي الموضة والمعايير الجمالية السائدة ، فضلاً عن محيطهن وحتى أسرهن أحياناً. فهل هناك دليل على الفردية والاستقلال أقوى من ذلك؟؟ ورغم ذلك كانت الرواية السائدة بشأنهن هي أنهن يرتدين الحجاب من خلال التنازل عن حريتهن الشخصية، وغالباً تحت ضغط الأسرة أو المجتمع. هذه الرواية التي لم يمل العلمانيون الكماليون من تكرارها لسنوات طويلة، كانت بمثابة ملاذ آمن لهم لتبرير مواقفهم المعادية للحجاب.

ومع ذلك، أثبتت العديد من الدراسات الاجتماعية القوية أن النساء المحجبات يعشن تجربة فريدة من نوعها من الاستقلال من خلال اختيارهن ارتداء الحجاب. والأدهى من ذلك أنه تم إجراء نفس الدراسات على النساء اللواتي تخلين عن الحجاب بعد سنوات، وقد أظهرت هذه الدراسات أنهن يخضن صراعات شخصية واجتماعية كبيرة. ويعشن تجربة فردية وإن كانت مختلفة. ولكن الفرق يكمن في أن النساء اللواتي يخلعن الحجاب يحظين بدعم وتشجيع من الحكومة العلمانية، وهو ما لم تحظ به النساء اللواتي اخترن ارتداء الحجاب. فارتداء الحجاب كان يعني في الماضي التعرض للطرد من المدارس، والعزلة الاجتماعية، وحتى رفض الأسرة وعدم تقبلها.

في الآونة الأخيرة، أظهرت الأوساط العلمانية اهتمامًا كبيرًا بالنساء اللواتي قررن خلع حجابهن، ومع هذا الاهتمام بدأت بعض النساء اللواتي كن يرتدين الحجاب سابقًا بمشاركة تجاربهن الخاصة، مما كشف عن فقدان كبير في المعنى في هذه القضية. فما هي الأسباب التي كانت تدفع النساء لارتداء الحجاب في الماضي، وما هي الأسباب التي تدفعهن لارتدائه أو خلعه الآن؟ لا نهدف هنا إلى إصدار أحكام، بل إلى فهم هذه الظاهرة كما فعلت الحركة التي ظهرت مؤخراً والتي تحولت إلى حركة جادة تهدف إلى مشاركة التجارب المتعلقة بالحجاب.

وفي مواجهة الانطباع السائد بأن خلع الحجاب أصبح اتجاهًا رائجًا، ظهرت منصة تواصل اجتماعي مخصصة لمشاركة تجارب النساء المحجبات، حيث يتبادلن فيها المعاني والقيم ووجهات نظرهن حول الحجاب. وقد لاقت هذه المنصة إقبالاً واسعاً في وقت قصير. ربما كان هذا رد فعل على الاهتمام الزائد بخلع الحجاب، أو استجابة لمفاهيم الموضة الجديدة المتعلقة بالحجاب، أو ربما تعبيرًا عن الحاجة لاستعادة المعنى الحقيقي المفقود للحجاب بعد تحققه في المجتمع. وبغض النظر عن السبب، فإن هذه التجارب تظل جميلة ومثيرة للاهتمام. ومن يقف وراء هذه المبادرة له جزيل الشكر، ولكن الحركة قد أصبحت في فترة قصيرة ذات هوية مجهولة وغير محددة.

انطلقت مبادرة على إنستغرام تحت عنوان "لنتحدث من البداية" تحت شعار "نحن هنا لمشاركة تجاربنا ومشاعرنا حول الحجاب"، وقد تحولت إلى منصة تشارك فيها العديد من النساء المحجبات تجاربهن، مؤكدات على أن الهدف ليس الحكم على الآخرين، بل دعم بعضهن البعض.

هذه المبادرة تمثل خطوة مهمة، حيث تتيح للنساء المحجبات التعبير عن أنفسهن مباشرة، بدلاً من أن يتحدث الآخرون نيابة عنهن. وتُعد بمثابة صوت صادق وهادئ، وواثق، أمام أولئك الذين يعتقدون أن تقاليد أمة تمتد لأربعة عشر قرناً، والتي تنبثق من أوامر القرآن الكريم، ستتزعزع تحت تأثير الموضات اليومية والأيديولوجيات المتقلبة. دعونا نترك هذه التجارب تتحدث بنفسها، دون أي تفسير:

" جميع القصص تخصنا بكل تفاصيلها، الكبيرة والصغيرة، المقبلة واللاحقة، بصعوباتها وسهولتها،. لهذا دعونا نتحدث من البداية. لنتحدث حتى لا يتحدث الآخرون نيابة عنا."

"ارتداء الحجاب يعني بالنسبة لي امتثال أوامر الله."

"الحجاب هو هويتي وطريقة وجودي في الحياة."

"أجسادنا أمانة لدينا، والمسؤولية الوحيدة التي تقع على عاتقنا تجاه جسدنا هي الحفاظ على هذه الأمانة، وأثناء قيامي بذلك لا أريد أن أضع نفسي في موقف يمنعني عن الحجاب بأي شكل."

"ليس رغم حجابي، بل بفضل حجابي... ما دام المكان الذي سأُسلم فيه وأغرس جذوري فيه صحيحًا."

"اللهم إني أفعل هذا ابتغاء مرضاتك فقط، وكل صعوبة أمر بها اجعلها دليلاً على حبي لك."

"كوني محجبة يعني أن بيئتي تتشكل وفقاً لذلك، وهذه البيئة بدورها تؤثر على شخصيتي."

"لماذا أحب الحجاب وأهتم به؟ لأنني أستحق الحرية. لأنني اخترت أن أكون في أمان وأحمي نفسي. لأنني اخترت أن يبقى ما وُهب لي خاصًا بي."

"بدون أن أتحدث، تتحدث هويتي."

"الحجاب لم يقيدني بل حدد هويتي."

"في كل مكان أذهب إليه، يمكن للمسلمين الذين يشاركونني نفس القيم التعرف علي بفضل حجابي، وهذا يسعدني كثيرًا."

"العالم مليء بالضبابية وسريع التغير. ورغم كل هذا الضبابية، الحجاب يمثل موقفًا ثابتًا وواثقًا."

"الحجاب هو تحدٍّ."


#النساء
#الحجاب
#تركيا
#الجمهورية