مرحلة "الجيران الجدد"

10:027/12/2024, Cumartesi
تحديث: 7/12/2024, Cumartesi
نيدرت إيرسانال

يبدو أن التوقعات بشأن اجتماع أطراف أستانا الذي يعقد في الدوحة بين تركيا وروسيا وإيران، والتي يُفترض أن يعزز العلاقات بين هذه الدول، هي توقعات متفائلة للغاية. إن تصريحات الرئيس أردوغان أمس، والتي قال فيها: "المعارضة تواصل تقدمها، فالهدف بعد إدلب وحماة وحمص هو دمشق، ونتمنى أن تتواصل هذه المسيرة دون حوادث" تساهم في إضعاف الأمل في المفاوضات على طاولة أستانا، ومن جهة أخرى تزيد من "ثمن المساومة". التوتر بات شبه ملموس، خصوصاً مع بدء طهران في فقدان هدوئها وتوازنها أمام التطورات، حيث يشار إلى أن المسؤولين

يبدو أن التوقعات بشأن اجتماع أطراف أستانا الذي يعقد في الدوحة بين تركيا وروسيا وإيران، والتي يُفترض أن يعزز العلاقات بين هذه الدول، هي توقعات متفائلة للغاية.

إن تصريحات الرئيس أردوغان أمس، والتي قال فيها: "المعارضة تواصل تقدمها، فالهدف بعد إدلب وحماة وحمص هو دمشق، ونتمنى أن تتواصل هذه المسيرة دون حوادث" تساهم في إضعاف الأمل في المفاوضات على طاولة أستانا، ومن جهة أخرى تزيد من "ثمن المساومة".

التوتر بات شبه ملموس، خصوصاً مع بدء طهران في فقدان هدوئها وتوازنها أمام التطورات، حيث يشار إلى أن المسؤولين وأتباعهم بدؤوا يطلقون تصريحات حادة.

أما أنقرة فهي هادئة لدرجة أنه حتى الصحفيون المتخصصون عجزوا عن استخراج كلمة واحدة من البيان الصادر عن آخر اجتماع لمجلس الأمن القومي. والهدوء علامة على السيطرة والقوة.

موسكو أكثر هدوءاً مقارنة بإيران. فعندما سُئل وزير الخارجية لافروف عن الوضع في سوريا، قال: "نراقب الوضع عن كثب. هذه لعبة معقدة، هناك العديد من الجهات الفاعلة. آمل أن يساعد الاجتماع الذي خططنا له لهذا الأسبوع في استقرار الوضع. سنناقش الحاجة إلى العودة إلى تنفيذ تطبيق اتفاقات إدلب بصرامة، لأن منطقة خفض التصعيد بإدلب كانت المكان الذي انطلق منه الإرهابيون للاستيلاء على حلب"

من الواضح أن موسكو، رغم عدم قدرتها على التحكم في لسانها مثل طهران إلا أنها لا تبالغ في الأمور.

كما أن تصريحات لافروف التالية كذلك تعبر عن موقف موسكو: "لدينا بعض المعلومات بشأن من يمول أو يوجه هيئة تحرير الشام. ووفقاً للمعلومات العامة، يدعم الأمريكيون والبريطانيون وبعض الأطراف الأخرى هذه الجماعات. وهناك من يرى أن إسرائيل تحاول تصعيد الوضع بحيث تتحول الأنظار بعيدًا عن غزة".

باختصار، سيكون اجتماع أستانا مثيرًا للاهتمام.

لا تزال الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل تتجنب التصريحات العلنية حول الأزمة السورية، تمامًا كما يفعل الأسد. ورغم أن التطورات الميدانية تشكل تهديدًا مباشرًا لبقاء النظام السوري، حتى أن البعض يلمح إلى أن الأسد قد ينتهي به المطاف جالسًا بجانب زيلينسكي في لندن، يبدو الأسد وكأنه يعيش في "وحدة تامة".

لقد رد الأسد على دعوة تركيا بالتجاهل قائلاً "اسحبوا قواتكم أولاً"، لكنه الأن يدرك بالتأكيد أن الوضع الحالي هو "تعال واسحبها بنفسك". وبالنظر إلى أنه سافر على عجل إلى موسكو منذ اليوم الأول، فإنه يدرك جيداً إلى أين ستؤدي الأمور.


وبالعودة إلى بريطانيا والولايات المتحدة..

فبينما لا توجد صورة واضحة حول مواقفهما تجاه هيئة تحرير الشام ، إلا أن هناك إشارات مثيرة للاهتمام. من أبرزها تصريح السفير الأمريكي السابق لدى سوريا، روبرت فورد، الذي يقول إن "هيئة تحرير الشام قد تغيرت، ولم تعد كما كانت في السابق"

وإذا تذكرنا أن فورد هو الدبلوماسي الذي أدرج هيئة تحرير الشام على قائمة الإرهاب، فإن اختياره للترويج لهذا "التغيير الجديد" في الهيئة أمر طبيعي. والحقيقة أن تصريحات الهيئة ومواقفها تبدو وكأنها مدروسة بعناية، مثل تصريحات من قبيل "ليس لدينا مشكلة مع أي شخص سوى الأسد، ولا ندعو إلى جهاد عالمي"، أو مثل مبادرتها إلى إعادة إقامة أشجار عيد الميلاد المدمرة في حلب، وما إلى ذلك.

وعلى مدار الأيام العشرة الماضية، كانت النقاشات تدور حول سؤال واحد: "من يقف وراء هيئة تحرير الشام؟"، وذلك لأن خطوة واحدة قامت بها كانت كفيلة بزعزعة التوازنات الإقليمية وقلب حسابات العديد من الدول.

ولكن يبدو أن المشهد سيتغير أكثر..

سنشهد قريبًا عودة دور ترامب السلبي إلى الواجهة، مما سيؤدي إلى توسع دائرة الصراعات في الشرق الأوسط الذي يبدو حاليًا محصورًا في قضايا فلسطين وإسرائيل وسوريا، ليشمل مناطق أوسع مليئة بـ"الخيارات الصعبة".

سنتحول إلى الفصل الثاني من المواجهة في الإطار الممتد من جنوب قبرص إلى الخليج، والمسقوف بروسيا والبحر الأسود وأوكرانيا وجورجيا، وأرضيته اليمن ومصر وشمال إفريقيا، والذي يُعتبر منذ فترة طويلة "جبهة الشرق والغرب".

في ذلك الوقت، سيصبح السؤال "مع أي لاعبين تتعاون تركيا في سوريا؟" سؤالاً بدائياً، وستجد الخطوات التي تتخذها أنقرة والتي تنبع من قلقها المشروع تجاه كلٍّ من إيران والممر الإرهابي مكانها. نأمل أن تتوقف الولايات المتحدة عن التواجد في ساحة الإرهاب وتعود لتقديم ردود فعلها الأصيلة.

هذا المشهد سيضع أمام تركيا، كغيرها من الدول، ثقل العالم متعدد الأقطاب. إيران ستلعب دورًا مختلفًا هناك. وإسرائيل ستؤدي دورًا آخر. ودول الخليج ستتحرر من حالة الضياع بين الأطراف. وستكتسب دول مثل جورجيا، وأرمينيا، والجمهوريات التركية، وباكستان أدوارًا ووظائف جديدة ومختلفة.

أود أن أنقل تصريحاً لـ "إلبر أورتايلي" أدلى به مؤخرًا في إحدى المقابلات حيث قال: " كيف سنحمي حدودنا وحضارتنا؟ وكيف سنحافظ على أماكن العالم المرتبطة بنا من حولنا؟ تركيا اليوم لديها وزارتا خارجية. إحداهما في باكو. ووزارة الخارجية في باكو لا تتصرف مثلنا دائمًا وهذا ليس تناقضا، بل تنوعٌ وثراء. وقد تكون هناك جوانب أكثر قوة في هذا التنوع."

ما هو هذا التناقض؟ وما هي الجوانب الأكثر قوة؟ في إطار التطورات الأخيرة ربما تكون الإجابة هي العلاقة مع إسرائيل، والتي بدت متناقضة مع علاقة أنقرة وباكو، والتي كانت مخبأة في صخب ظروف الحرب مع أرمينيا، ولكنها أصبحت تُتداول بشكل أكبر في غزة.

ربما يعتمد هذا التحليل القائل بأن العلاقة مع إسرائيل توفر ميزة لأذربيجان الشقيقة في صراعها مع أرمينيا، في حين أن علاقة تركيا مع إيران وموقفها في سوريا يوفران لها ورقة رابحة في الشرق الأوسط في عهد ترامب..

ورغم أن أورتايلي لم يُفصل ذلك بالكامل، ولكن يبدو أنه بعيد عن أسلوب حديثه المعتاد، ويشعر المرء وكأنه كلام شخصً آخر.

لكن القضية الأساسية هي تقديم هذه الاحتمالات الغامضة على أنها "حل" عند الانتقال إلى مرحلة جديدة.

لم يعد الأمر مقتصرًا على الشرق الأوسط الكبير فقط، بل امتد ليشمل خطوط أوروبا وآسيا، والبحر الأبيض المتوسط، وغرب آسيا، وحتى خط المحيط الهادئ الذي شهد مؤخرًا تعقيدات مذهلة مثل تلك التي حدثت في كوريا الجنوبية، كلها أصبحت معرضا لهذا النوع من اللعب الاستراتيجي.

ولم تكتمل بعد التحولات الجيوسياسية على اللوحات الاستراتيجية، بل هي في بدايتها. ومن الضروري أن تعزز تركيا قدرتها على التفكير وتوسع عالمها الفكري وفقًا لهذه التغيرات. نأمل أن تكون نتائج التطورات في سوريا مشرقة، لكن يجب أن تُمنح تركيا مكانتها المناسبة على الساحة العالمية.


#أستانا
#تركيا
#روسيا
#إيران
#سوريا
#هيئة تحرير الشام
#أنقرة
#إسرائيل