- اعتذر الأردن سابقاً عن المشاركة في اجتماعات النقب بسبب غياب الجانب الفلسطيني، لكن حضور الطرفين اجتماع العقبة يُرجّح حضورهما اجتماع النقب المرتقب في العاصمة المغربية الرباط.* محللون سياسيون قالوا للأناضول إن:- اجتماع النقب مجرد "مساومة إسرائيلية لكسب الوقت"، وفق أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة الهاشمية، جمال الشلبي.- "الأردن لا يملك خيار رفض المشاركة باجتماعات النقب مثلما كان سابقاً، خصوصا بعد تطبيع بعض الدول العربية مع إسرائيل"، حسبما يرى أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الألمانية الأردنية، بدر الماضي.- المحلل السياسي عامر السبايلة قال إن "حضور الفلسطينيين للعقبة قد يؤسس لحضورهم النقب، مما يعني أن مشاركتهم تنهي أي عذر أردني سابق لعدم المشاركة".
لم يجد الأردن سبيلاً لمحاولة تلافي التصعيد بالأراضي الفلسطينية، غير جمع أطراف الصراع على طاولة مفاوضات في مدينة العقبة جنوبي البلاد، الأحد الماضي، بحضور مصر ورعاية مباشرة من الولايات المتحدة.
المحاولة الأردنية لم تأتِ صدفة، فعمّان تحاول الحفاظ على أدوارها في جارتها الغربية، بحكم ترابطها الجغرافي والديموغرافي والسياسي مع الضفة الغربية.
ويرى البعض أن التصريحات الإسرائيلية عقب "اجتماع العقبة" تعد انقلاباً على نتائجه، لكن مجرّد انعقاده بالأردن، ربما يشكّل طريقاً لمشاركة المملكة في قمة "النقب2"، المقررة في العاصمة المغربية الرباط في مارس/ آذار الجاري.
والأحد الماضي، استضافت مدينة العقبة جنوب الأردن، اجتماعاً أمنياً انتهى باتفاق الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي على "وقف الإجراءات أحادية الجانب لأشهر محددة".
ووفق بيان للخارجية الأمريكية، فإن "الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية أكدتا استعدادهما والتزامهما المشترك بالعمل فورا على وضع حد للتدابير أحادية الجانب لمدة تتراوح بين ثلاثة إلى ستة أشهر".
ولم تكد تمضي دقائق على نشر بيان الاجتماع، حتى تنصلت حكومة إسرائيل من أبرز التزامها، وهو تجميد البناء الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ما شكّل انقلاباً واضحاً وصريحاً على ما تم الاتفاق عليه.
وبالعودة إلى قمة النقب، فإن عمّان اعتذرت سابقاً عن المشاركة في اجتماعاته الماضية، وعزت ذلك إلى غياب الجانب الفلسطيني، لتؤكد في محصلة الأمر ارتباط مصير البلدين بأية نتائج محتملة، إلا أن حضور الطرفين والاتفاق على عقد اجتماع "العقبة2" في مصر، يُرجّح حضور كليهما لاجتماع النقب المرتقب، رغم المواقف الإسرائيلية المعلنة بشأن اجتماع الأردن.
وتسعى الأردن والضفة الغربية بشتى الوسائل السياسية والدبلوماسية إلى تجنب مزيد من العنف والمواجهات، سيما مع سقوط عشرات القتلى الفلسطينيين والإسرائيليين خلال العام الجاري، وهو ما يدفع بمزيد من التوقعات إلى احتمالية مشاركة الأطراف في اجتماع النقب.
وعقدت تل أبيب "قمة النقب" في مارس/ آذار 2022 بمدينة النقب جنوبي إسرائيل، وضمّت وزراء خارجية إسرائيل ومصر والمغرب والبحرين والإمارات والولايات المتحدة، وتم الاتفاق بين الدول الست على عقد القمة بشكل سنوي.
مساومة إسرائيلية لكسب الوقت
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة الهاشمية (حكومية)، جمال الشلبي، قال في حديث للأناضول: "لا أستبعد أن تكون استضافة الأردن لقمة العقبة الأمنية مقدمة للمشاركة في اجتماعات النقب المقررة بالرباط الشهر الجاري".
وتابع: "لدى الأردن خطة استراتيجية واضحة المعالم فيما يتعلق بإسرائيل، تكمن في أن السلام خيار استراتيجي، ولا يتحقق إلا بخيار الدولتين، إحداها فلسطينية".
واعتبر الشلبي أن "اجتماع المغرب جزئية بسيطة من استراتيجية واسعة تسير عليها الدولة الأردنية"، مشيرا أنه "إذا أرادت عمّان المشاركة، فسيكون لها شروطها؛ لأنها دولة محورية في القضية الفلسطينية".
واستبعد الأكاديمي الأردني أن يحقق اجتماع النقب أي نتائج ملموسة على أرض الواقع، لافتاً إلى أن "الحكومة الإسرائيلية تساوم وتكسب الوقت من أجل ترويض عدد من الدول العربية للدخول في عمليات سلام مجانية".
وأوضح أن "الوضع سيبقى يراوح مكانه دون أن تقدم إسرائيل شيئا يُذكر، لا سيما وأن حكومة تل أبيب الحالية هي السادسة في عامين، وتتسم بالتطرف والعنف تجاه الفلسطينيين".
وأضاف: "إسرائيل بحاجة إلى موقف دبلوماسي يبرز أنها تتعامل مع العرب ومع مشاكلهم ومع عملية السلام بشكل عام".
واستدرك قائلا: "هذا الأمر لا يحدث أبدا، وإعلاناتها ومواقفها بهذا الخصوص مجرد وسيلة دبلوماسية إسرائيلية لإخراجها من الاتهامات والمواقف عربياً ودولياً، وهذا الأمر يعد تكتيكا متعارفا عليه من قبل الدولة الصهيونية".
"الأردن لا يملك خيار رفض المشاركة"
أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الألمانية الأردنية (حكومية)، بدر الماضي، بين للأناضول، أن "اجتماع العقبة الأمني قد يكون بالفعل مقدمة مهمة لاجتماعات النقب".
وأضاف: "كان المأمول أن تقدم إسرائيل شيئاً ما؛ حتى يُبرر الأردن ذهابه إلى النقب".
ووصف الماضي ما تقوم به تل أبيب "طرقاً ملتويةً من أجل كشف ظهر الحلفاء الذين ينوون قيام سلام عادل وشامل بالمنطقة ومنهم الأردن".
ويرى أن اجتماع العقبة "أتى كمحاولة لإعادة إحياء السلطة الفلسطينية التي عانت كثيرا في السنوات الأخيرة داخلياً، ولم تعد صراحةً تحظى بقبول شعبي فلسطيني".
وأردف أن الاجتماع كان "محاولة لضخّ أوكسجين الحياة في السلطة الفلسطينية، وإظهار أنها قادرة على انتزاع شيءٍ من الإسرائيليين، لكن التصريحات الإسرائيلية المباشرة بعد الاجتماع واعتداءات المستوطنين في حوارة نابلس أتت بنتائج عكسية على السلطة الفلسطينية والأردن".
وأوضح الماضي أن "الأردن لا يملك خيار رفض المشاركة باجتماعات النقب مثلما كان سابقاً، لأن اجتماع العقبة شكّل عامل ضغط كبير على المملكة؛ كونها الوحيدة من دول المنطقة التي لا تريد السير وفق ما يفرض حاليا من قبل بعض الدول التي استعجلت بالتطبيع مع الكيان الإسرائيلي".
وأشار أن هذا "يشكل حرجا كبيرا للأردن التي تتلقى مساعدات مالية كبيرة جداً من الولايات المتحدة التي تعد الداعم الأول والأساس لإسرائيل وأجندتها بالمنطقة".
وفي 15 سبتمبر/ أيلول 2020، وقعت إسرائيل والإمارات والبحرين اتفاقيات تطبيع للعلاقات التي سماها البيت الأبيض "اتفاقيات إبراهام" ثم انضم إليها المغرب والسودان، بينما ترتبط مصر والأردن مع إسرائيل باتفاقيتي سلام منذ عامي 1979 و1994 على الترتيب.
"إسرائيل غير ملتزمة"
واتفق الماضي مع الشلبي بشأن النتائج المتوقعة من قمة النقب المقبلة، قائلاً: "لا أعتقد ان مثل هذه الاجتماعات ستحقق نتائج مهمة للفلسطينيين أو حتى للمنطقة، لأن إسرائيل تعتقد أنها الدولة المسيطرة وتملك أوراقها لفرضها على طاولة المفاوضات واللقاءات مع الدول العربية".
وأضاف: "لم يعد هناك بيئة رسمية عدائية لإسرائيل بالمنطقة"، في إشارة إلى اتفاقيات التطبيع التي وقعتها تل أبيب مع الدول العربية.
وأردف أن "إسرائيل لن تستعجل تنفيذ الالتزامات السياسية والاستراتيجية والأمنية تجاه السلطة الفلسطينية، وحتى الالتزامات الأخلاقية لن تلتزم بها".
واعتبر الماضي أن إسرائيل "لا تعتبر نفسها محشورة في الزاوية، ولكنها تعتقد أنها تتصرف كمايسترو في اللعبة السياسية بالمنطقة، بسبب انشغال دول الإقليم والعالم بمشاكلها الداخلية".
وأرجع دوافع وممارسات السياسة الإسرائيلية الحالية إلى ما أسماه " اندفاع عربي غير مبرر للتطبيع معها، مقابل صمود لن يدوم طويلاً لدولة مثل الأردن في وقوفها مع السلطة الفلسطينية".
واعتبر الماضي أن "كل ذلك سيشكل التزاماً قسرياً للأردن للتعامل مع إسرائيل وحضور قمة النقب دون مقاومة حقيقية لمثل هذه اللقاءات".
وقال إن "القيادة الأردنية تعلم أن هذه الاجتماعات لن تفضي إلى نتائج في ظل تعنت إسرائيلي، والمملكة لا تملك خيارات كثيرة ولكنها تريد أن تبقى على الطاولة كي لا يتم القفز على أدوارها والمسائل المتعلقة بأمنها".
وأوضح أن "الأردن لا تملك ترف عدم المشاركة بالنقب، لذلك من المرجح ان تكون جزءاً أساسياً منه".
اجتماع العقبة يؤسس للنقب
أما المحلل السياسي عامر السبايلة، فقد أوضح للأناضول أن "جلوس السلطة الفلسطينية بهذه الصورة على طاولة الاجتماع بهدف الترتيبات الأمنية يمكن أن يؤسس فعلياً لتغير سياسي، وتحول باتجاه عدم معارضة مثل هذه الاجتماعات، وبالتالي الذهاب إلى اجتماعات النقب القادمة".
وتابع: "الاستفادة من العقبة لا يمكن تحديدها اليوم؛ لأن الوضع على الأرض في فلسطين هو ما سيحدد كثيراً من الأمور".
وأشار السبايلة أن "حضور الفلسطينيين للعقبة قد يؤسس لحضورهم النقب، مما يعني أن مشاركتهم تنهي أي عذر أردني سابق لعدم المشاركة".
وقال إن "ما يبدأ امنياً قد ينتهي سياسياً".