عملية المخابرات التركية: الهدف إسقاط تنظيم بي كي كي دون إطلاق رصاصة واحدة!

11:5416/12/2024, الإثنين
تحديث: 30/12/2024, الإثنين
يحيى بستان

ما أراه وأسمعه يكشف لي أمرين جديدين ومهمين: أولًا لعبت المخابرات التركية دورًا استراتيجيًا وحاسمًا في إسقاط نظام الأسد، مستخدمة أسلوبًا مبتكرًا دون الحاجة إلى إطلاق رصاصة واحدة. هذا الأسلوب لا يقتصر على كونه دبلوماسية استخباراتية، بل يمكن وصفه بأنه نوع من "شطرنج الاستخبارات"، وهو نهج يبدو أن تركيا ستطبقه في مناطق أخرى مستقبلًا. ثانيًا: كان بقاء نظام الأسد يشكل عقبة كبيرة أمام المفاوضات بين أنقرة وواشنطن، حيث خلق منطقة رمادية استغلتها الولايات المتحدة لصالحها. لكن الظروف تغيرت، وأصبحت مساحة المناورة

ما أراه وأسمعه يكشف لي أمرين جديدين ومهمين: أولًا لعبت المخابرات التركية دورًا استراتيجيًا وحاسمًا في إسقاط نظام الأسد، مستخدمة أسلوبًا مبتكرًا دون الحاجة إلى إطلاق رصاصة واحدة. هذا الأسلوب لا يقتصر على كونه دبلوماسية استخباراتية، بل يمكن وصفه بأنه نوع من "شطرنج الاستخبارات"، وهو نهج يبدو أن تركيا ستطبقه في مناطق أخرى مستقبلًا.


ثانيًا: كان بقاء نظام الأسد يشكل عقبة كبيرة أمام المفاوضات بين أنقرة وواشنطن، حيث خلق منطقة رمادية استغلتها الولايات المتحدة لصالحها. لكن الظروف تغيرت، وأصبحت مساحة المناورة الأمريكية أضيق بكثير. هناك تطورات جديدة ومهمة قد تُحدث نتائج ملموسة، وسأتناول هذه النتائج بالتفصيل لاحقًا. لكن قبل ذلك، هناك بعض النقاط التي تستحق التوضيح.

الإشارات كانت واضحة منذ البداية

عندما بدأ زعيم حزب الحركة القومية دولت بهجلي اتخاذ الخطوات التي مهدت لما نراه اليوم، طُرحت تساؤلات مثل: "هل نحن أمام عملية جديدة لحل الأزمة؟". وظهرت تحليلات عديدة، واعتقد البعض أن أنقرة شعرت بالضغط في المنطقة، مما دفعها إلى البحث عن حل لقضية الإرهاب عبر إطلاق عملية جديدة.

لكن الحقيقة كانت على النقيض تمامًا. كنت قد كتبت سابقًا: "أنقرة لن تطلب من أحد إلقاء السلاح، لكنها أيضًا لن تعترض على من يقرر التخلي عنه بمحض إرادته."

في ذلك الوقت، لم تكن هناك دلائل واضحة على سقوط نظام دمشق، ولم تظهر أي مؤشرات مباشرة تؤكد ذلك. ومع ذلك، كانت التطورات تشير إلى مسار محدد. فقد نجح الجيش التركي في حصار الإرهابيين في العراق، كما عاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المشهد كرئيس، وهو الذي أبدى استعدادًا سابقًا للانسحاب من سوريا. ومع هذه المعطيات، تحولت الأنظار نحو تنظيم واي بي جي الإرهابي وامتداده "بي كي كي" في سوريا.

وفي هذه الأثناء، بدأت أجنحة التنظيم الإرهابي في سوريا بإرسال رسائل مبطنة إلى تركيا، تضمنت بين السطور نبرة واضحة من التوسل وطلب التفاهم.

ما وراء سيارة المرسيدس السوداء التي جابت شوارع دمشق

خلال المفاوضات التي استمرت لأكثر من عام بين أنقرة وواشنطن، كانت المواقف واضحة. أرادت الولايات المتحدة الحفاظ على وجود تنظيم واي بي جي الإرهابي في شمال سوريا، وربطه بنظام الأسد بخيط رفيع. في المقابل، كانت أنقرة تطالب بتطهير سوريا بالكامل من هذا التنظيم. وجّهت تركيا رسالة صريحة للأمريكيين: "يجب إخراج جميع عناصر تنظيم بي كي كي الإرهابي غير السوريين من سوريا.

لكن بقاء نظام الأسد كان يمنح الولايات المتحدة ورقة قوة إضافية. إذ أكدت واشنطن أنها "لا تستطيع ترك تنظيم واي بي جي الإرهابي تحت رحمة إدارة الأسد القاسية"، كما لجأت إلى استخدام وجود تنظيم داعش كذريعة أخرى. كان استمرار وجود الأسد في دمشق هو العامل الرئيسي الذي أدى إلى إطالة أمد المفاوضات بين أنقرة وواشنطن.

ما حدث بعد ذلك قلب الموازين. دخلت المخابرات التركية على الخط، وبدأت العمليات بسرية تامة. كانت البداية بسقوط حلب، تلتها دمشق. نُفذت العمليات بدقة عالية لدرجة أن غالبية الرأي العام حينها كانت في حيرة من أمرها، وبدأت تتساءل: "هل العملية من تنفيذ إسرائيل أم الولايات المتحدة؟"

انتهت التكهنات عندما زار رئيس المخابرات التركية إبراهيم قالن دمشق. وكانت سيارة مرسيدس سوداء تتجول في شوارع العاصمة كفيلة بتوضيح الصورة. فقد أكدت هذه السيارة أن ما جرى كان ثمرة عملية مخابراتية تركية دقيقة ومنسقة، وأن الفاعل الحقيقي وراء هذا التحرك كان أنقرة.

أساسيات النهج الجديد الذي تطبقه تركيا

تبنت تركيا نهجًا جديدًا لتحقيق أهدافها، يتميز بتجنب الفوضى والاضطرابات والصراعات، مع الحرص على تقليل الخسائر بين المدنيين، ودون اللجوء إلى الأساليب التقليدية. يمكن تلخيص هذا النهج كما يلي:

القوات المحلية: تعتمد تركيا على العناصر السورية المحلية لتنفيذ العمليات على الأرض.

التوجيه الاستخباراتي: تقوم المخابرات التركية بتوجيه هذه العناصر ميدانيًا من خلال وجودها النشط.

الدبلوماسية الاستخباراتية: عند مواجهة مقاومة، يتم اللجوء إلى أدوات دبلوماسية استخباراتية لكسر هذه المقاومة.

استخدام القوة عند الضرورة: في حال فشل الأساليب الدبلوماسية، يتم الانتقال إلى استخدام القوة الصارمة لكسر المقاومة.

الضغط الدبلوماسي: تمارس الدبلوماسية التركية ضغوطًا متزامنة على الأطراف الإقليمية والدولية لضمان تأمين الدعم وتوفير الأرضية المناسبة للعمل.

الدور العسكري: يلعب الجيش التركي دورًا رادعًا من خلال وجوده على الحدود وتنظيماته داخل الأراضي السورية.

هذا النهج كان حاسمًا في سقوط دمشق والسيطرة على منبج، وتم تنفيذه بنفس الطريقة.

الأهداف الحالية:

تسعى تركيا حاليًا لتحقيق هدفين أساسيين:

استعادة السيطرة على موقع ضريح سليمان شاه في قرية "قره قوزاق"، حيث كان الموقع الأصلي قبل نقله.

تطهير مدينة كوباني/عين العرب من التنظيمات الإرهابية.

يدرك تنظيم بي كي كي/واي بي جي الإرهابي حساسية أنقرة تجاه المدنيين ويحاول استغلال ذلك. على سبيل المثال، قام التنظيم بجلب شاحنات يُعتقد أنها محملة بالمتفجرات إلى منطقة قره قوزاق. وقد أصدرت السلطات التركية تحذيرات واضحة لضرورة إخلاء المنطقة من هذه الشاحنات.

الهدف النهائي لتركيا هو إجبار التنظيم الإرهابي على مغادرة المنطقة والسيطرة عليها دون الحاجة إلى استخدام القوة العسكرية المباشرة أو إطلاق النار.

التركيز على الحساسية المدنية في كوباني

تعتبر مدينة كوباني/عين العرب نقطة استراتيجية بالغة الأهمية. وقد حددت القوات المسلحة جميع الأهداف التي ينبغي تحييدها مع مراعاة كافة الاحتمالات. ومع ذلك، فإن المنطقة ذات مساحة ضيقة وتشهد كثافة سكانية عالية. في هذا السياق، قرر التنظيم الإرهابي استخدام المدنيين كدروع بشرية، بينما تواصل الولايات المتحدة تسليط الضوء على الوجود المدني في كوباني. لهذا السبب، تزداد أهمية اتباع نموذج مشابه لما جرى في دمشق وحلب في هذه المنطقة. وتشير المعلومات إلى أن هناك خططًا جاهزة تمتد على فترات 3 و6 و9 أشهر.


قد تبدأ التحركات الفعلية بعد تسلم دونالد ترامب منصبه في 20 يناير المقبل. ومع استقرار الوضع في سوريا، لن يكون هناك أي مجال لوجود تنظيم بي كي كي الإرهابي.



صرّح أحد أبرز الفاعلين في "سوريا الجديدة"، أحمد الشرع، قائلاً: "لا نساوي بين تنظيم بي كي كي الإرهابي وشعبنا الكردي. هناك فرق كبير بين التنظيم الإرهابي والمواطنين الأكراد."

وأضاف: "سنواصل نضالنا حتى نحافظ على وحدة أراضينا بالكامل."

من جانبه، أوضح وزير الخارجية التركي هاكان فيدان النقاط التالية: يجب على عناصر تنظيم بي كي كي الإرهابي غير السوريين مغادرة البلاد فورًا.

في المرحلة الثانية، يتوجب على جميع قيادات تنظيم واي بي جي الإرهابي، بمن فيهم السوريون، مغادرة البلاد. (جاء هذا التصريح بعد رحيل الأسد).

أما من يبقى من التنظيم فعليه التخلي عن السلاح واللجوء إلى دمشق للمطالبة بحقوقه.

مع رحيل نظام الأسد، اختفت المناطق الرمادية التي كانت تستغلها الأطراف المختلفة. تطالب أنقرة الآن بتصفية جميع الكيانات المرتبطة بالتنظيم الإرهابي بالكامل. ومع نضوج الظروف، يبدو أن المخابرات التركية تلعب دورًا مهمًا في هذه المرحلة أيضًا. إذا رفض التنظيم الإرهابي التخلي عن السلاح، فإن التدخل العسكري التقليدي سيصبح أمرًا لا مفر منه.

#"بي كي كي" الإرهابي
#تركيا
#أحمد الشرع
#سوريا