الاحتفال بعام جديد في عالم يفتقر إلى البركة ومتعة الحياة

06:362/01/2025, الخميس
تحديث: 3/01/2025, الجمعة
سليمان سيفي أوغون

بدأنا نخطو أولى خطواتنا في عام جديد. وامتثالاً للتقاليد المعتادة، نتمنى أن يكون هذا العام مليئًا بالخير، وأن يحقق لكل فرد تطلعاته وأمانيه. نعيش الآن لحظات مليئة بالأضواء والأصوات، وكأنها تجربة حسية متكاملة تعبر عن نوع من التطهير النفسي. لكن الأمر ليس بهذه البساطة فقط؛ بل يتعدى ذلك إلى تجربة شعورية غامرة تتسم بالتجدد والانفصال عن الماضي. (ربما كان من الأدق وصف هذه الحالة بالدوران في عجلة الزمن بلا توقف، كما لو كنا فئران تجارب، ولكن ليس هذا موضوع حديثنا الآن). غالبًا ما يتم تصوير السنة التي ودعناها

بدأنا نخطو أولى خطواتنا في عام جديد. وامتثالاً للتقاليد المعتادة، نتمنى أن يكون هذا العام مليئًا بالخير، وأن يحقق لكل فرد تطلعاته وأمانيه.

نعيش الآن لحظات مليئة بالأضواء والأصوات، وكأنها تجربة حسية متكاملة تعبر عن نوع من التطهير النفسي. لكن الأمر ليس بهذه البساطة فقط؛ بل يتعدى ذلك إلى تجربة شعورية غامرة تتسم بالتجدد والانفصال عن الماضي. (ربما كان من الأدق وصف هذه الحالة بالدوران في عجلة الزمن بلا توقف، كما لو كنا فئران تجارب، ولكن ليس هذا موضوع حديثنا الآن).


غالبًا ما يتم تصوير السنة التي ودعناها في المواد البصرية على هيئة شخص مسن، بينما يُجسّد العام الجديد كطفل قوي ومفعم بالحيوية. هذه الرموز تمنحنا شعورًا وهميًا بالتجدد، وكأننا نغسل وجوهنا من أخطاء العام الماضي ونجد في صورة الطفل رمزية لبداية جديدة.


تكتمل هذه الطقوس عادة عبر العد التنازلي الجماعي، حيث يتحد الجميع بأصوات متناسقة، وكأننا نواكب الزمن الذي تحول إلى عدّاد رقمي نشترك في ضبط إيقاعه معًا.

لا داعي للقلق، فلن أتعامل مع الاحتفال بحلول العام الجديد كمسألة دينية أو أربطه بالمسيحية، كما أنني لن أثير أي اعتراضات لاهوتية. أنا أنظر إلى الأمر من منظور ثقافي واجتماعي بحت. في الحقيقة، أعتقد أن أي احتفال يفقد أصالته والسياق الذي نشأ منه يصبح مجرد تكرار زائد بلا قيمة. (الفولكلور غالبًا ما يكون قاتلًا للتقاليد؛ فالتقاليد تعيش وتتطور، أما التقليدية فقد اندثرت منذ زمن بعيد).

ليس لدي أي اعتراض ديني هنا، لذا لا داعي للقلق. الاحتفال بالعام الجديد لا يعني أننا نصبح مسيحيين. حتى في العالم الذي يُفترض أنه مسيحي، وهو عالم يشهد جدلًا واسعًا حول مدى تمسكه بالمسيحية، لم يعد استقبال العام الجديد مناسبة لتذكر السيد المسيح. بمعنى أوضح، إذا كان الاحتفال بالعام الجديد لا يجعل العالم المسيحي أكثر ارتباطًا بمسيحيته، فكيف لنا أن نصبح كذلك؟


أما فيما يتعلق بشخصية "بابا نويل"، فلا ينبغي أن نبالغ في الانبهار بها. صحيح أن القديس نيكولاس معروف كشخصية مسيحية مقدسة، ويُعتقد أنه عاش في منطقة ديمرة الواقعة ضمن مناخ البحر الأبيض المتوسط. ولكن هل يعقل أن هذا القديس كان يرتدي تلك الملابس الثقيلة الخاصة بالأجواء القطبية وسط حرارة المتوسط الشديدة؟


الحقيقة أن "بابا نويل" هو تجسيد للأساطير الوثنية الإسكندنافية، التي دُمجت مع شخصية القديس نيكولاس. أما الشكل الحديث لهذه الشخصية فقد بدأ بالظهور في الرسومات عام 1863، ووصل إلى هيئته الحالية في ثلاثينيات القرن العشرين. أي أن "بابا نويل" هو ابتكار حديث بالكامل، لا يمت للأصالة أو الدين بصلة.

العنصر البارز في هذه الصورة ورمزية "بابا نويل" هو اللون الأحمر. هذا اللون لم يكن اختيارًا عشوائيًا، بل قرارًا مدروسًا بعناية. الرسام توماس ناست، الذي قدّم رسومات "بابا نويل" الأولى عام 1863، استلهم عمله من قصيدة بعنوان زيارة إلى القديس نيكولاس. مقارنة به، يبدو ناست بريئًا أمام هادون سندبلوم، الذي أعاد تشكيل "بابا نويل" في رسوماته عام 1931. اللون الأحمر، الذي أصبح السمة الغالبة على "بابا نويل"، ارتبط لاحقًا بشركة "كوكاكولا" العالمية، ما يجعل "بابا نويل" بملامحه الحالية نتاجًا مباشرًا لإعلانات الشركة.

أما جمهور "بابا نويل"، فلطالما كان الأطفال هم الفئة المستهدفة. ربما كان هذا هو السبب في أن احتفالات السنوات الأولى بدت أكثر تواضعًا مقارنة بما هي عليه الآن. الأسطورة تقول إن "بابا نويل" يزور المنازل عبر المداخن ليلة الميلاد ليغمر الأطفال بالهدايا، فكرة جذابة بالطبع! لكن مع مرور الزمن، تغيرت القصة بشكل كبير. فقد دخلت البشرية عصرًا فقدت فيه قدرتها على النضج، وأصبحنا نعيش في "عصر الطفل". اليوم، أصبح الإنسان أقرب إلى طفل دائم، وهذا ما يغذيه النظام الرأسمالي القائم على ثقافة الاستهلاك.


الرأسمالية تعتمد في بقائها على الاستهلاك أكثر من الإنتاج. والطفل هو المستهلك الأكثر شراهة؛ فهو لا يشبع أبدًا ويرغب دائمًا في تجربة كل جديد. أدرك النظام الرأسمالي هذه الحقيقة ووجد أن الإنتاج يتطلب المهارات والنضج، بينما الاستهلاك يتطلب ترسيخ الطفولية. لتحقيق ذلك، لجأت الرأسمالية إلى منهج اجتماعي-دارويني صارم، حيث أعادت تعريف مفهوم النخبة عبر "الجدارة"، وعزلت النخب في إطار تقني ضيق بعيد عن الديمقراطيات التقليدية.


هذا الفصل أدى إلى ظهور فجوة بين النخب والجماهير. أصبحت النخب تشكو من "ابتذال" العامة، بينما انغمست الجماهير في طفولية مطلقة. تم تفتيت الحشود وتحويلها إلى أفراد نرجسيين يركزون على إشباع رغباتهم دون حدود. حتى ما يُعرف بـ"الحكمة الحياتية الجديدة"، التي يروج لها مدربو التنمية الشخصية، تركز على الحفاظ على "الطفل الداخلي" وإبقائه حيًا طوال العمر.


هذا العالم الموجه للأطفال لديه دين واقعي يمكن تسميته بـ"دين الرفاه". إنه دين غير معلن لا يعتمد على الدعوة التقليدية، بل على الإعلانات والترويج. اللافت أنه لم يدخل في صراع مع الأديان التقليدية، بل تسرب إليها وأعاد تشكيلها لتتناسب مع قيمه. خلال العقود الأخيرة، أصبحت الممارسات الدينية التقليدية تنويعات على "دين الرفاه"، الذي تحول إلى القوة المهيمنة على حياة الناس الروحية والثقافية.

دين الرفاه، الذي تحولت جماهيره إلى حالة طفولية، يُعد دينًا غامضًا للغاية. لا يمتلك كتابًا مقدسًا، ولا نبيًا، وإلهه يتسم بطبيعة دنيوية بحتة. ولهذا السبب، يراه البعض شكلًا جديدًا من الوثنية. ورغم أن هذا الرأي يحمل جزءًا من الصحة، إلا أنه تبسيط مبالغ فيه. جوهر إله الرفاه غير معروف، ومع ذلك، يتوجه الجميع لعبادته بطريقة أو بأخرى، ويسعون للوصول إليه. دين الرفاه يمتلك عقائد وطقوسًا خاصة به، تتداخل أحيانًا مع الأديان التقليدية، وأحيانًا تختلف عنها. ولا شك أن احتفالات رأس السنة تُعد التتويج الأبرز لهذه الطقوس.

أحد الأخطاء الكبرى التي نقع فيها هو أننا نغفل الفرق بين "الرفاه" و"البركة". الرفاه ليس إلا وهمًا لعالم فقد بركته. في أمنيات العام الجديد، نادرًا ما نجد دعاءً صادقًا من أجل البركة، وغالبًا ما نخلط بين البركة والثراء المادي. نحن نتجاهل هذا الفرق لأننا فقدنا القدرة على التمييز بين الحكمة الدائرية التي تعتمد على التوازن، والهندسة الخطية التي تعتمد على القياس. يكفي أن نحاول عدّ شيء ما لنفقد بركته. وهذا ما حدث مع الزمن؛ عندما بدأنا نحسبه ونعده، أضعنا بركته. (حتى الخوف من الشيخوخة هو نتيجة لهذا الفقدان).


قضية أخرى مرتبطة بهذا الأمر هي أننا نعيش في عالم غريب. عالم تتلاشى فيه المتعة بينما تزداد "اللذة" جِدّةً وحداثة. المتعة لا تتحقق إلا بالبركة، وإذا فقد العالم بركته، فلن تكون له متعة، مهما بلغت لذته.

في الخارج، تنفجر الألعاب النارية، وفي ذهني أيضًا تتصاعد الأفكار. فجأة، تذكرت كلمات الراحلة أليف عندما تحدثت عن "الحلال" و"المصالحة". كم كنت أتمنى لو كانت على قيد الحياة لأقول لها: "نعم، ما قلتِه صحيح، لكن ليس في عالم فقد بركته...".





#العام الجديد
#البركة
#المتعة واللذة
#دين الرفاه
#بابانويل