الانتهاكات الاستعمارية الإسرائيلية

08:4030/12/2024, Pazartesi
تحديث: 30/12/2024, Pazartesi
سلجوك توركيلماز

بعد السابع من أكتوبر، أصبحت اعتداءات إسرائيل التي تندرج ضمن جرائم الحرب والإبادة الجماعية، أكثر وضوحًا وفظاعة مما سبق. ولذلك فإن أي محاولة لتوصيف أو تعريف ما نشهده في غزة تبدو قاصرة أمام حجم الفظائع المرتكبة هناك. ومن الصعب حقًا استخدام أي مفهوم أو مصطلح لاحتواء طبيعة الوحشية التي تجري في غزة. ولكن علينا أن نتجاوز مشاعر الفزع الناجمة عن هذه الأحداث وأن نقوم بإعادة تحليل الظاهرة الإسرائيلية بشكل أعمق. كانت هناك رواية قد ترسخت وتم الاتفاق عليها، تتعلق بتاريخ اليهود. ووفقًا لهذه الرواية، تعرض اليهود

بعد السابع من أكتوبر، أصبحت اعتداءات إسرائيل التي تندرج ضمن جرائم الحرب والإبادة الجماعية، أكثر وضوحًا وفظاعة مما سبق. ولذلك فإن أي محاولة لتوصيف أو تعريف ما نشهده في غزة تبدو قاصرة أمام حجم الفظائع المرتكبة هناك. ومن الصعب حقًا استخدام أي مفهوم أو مصطلح لاحتواء طبيعة الوحشية التي تجري في غزة. ولكن علينا أن نتجاوز مشاعر الفزع الناجمة عن هذه الأحداث وأن نقوم بإعادة تحليل الظاهرة الإسرائيلية بشكل أعمق.

كانت هناك رواية قد ترسخت وتم الاتفاق عليها، تتعلق بتاريخ اليهود. ووفقًا لهذه الرواية، تعرض اليهود في ألمانيا وروسيا للهولوكوست والبوغرومات (المذابح)، مما اضطرهم إلى الهجرة من المناطق التي كانوا يعيشون فيها. وفي المقابل، كانت هناك رواية أخرى تتعلق بسيطرة اليهود الأثرياء على العالم، حيث تمكنوا من بسط نفوذهم في أماكن عدة، خصوصًا في الولايات المتحدة وغيرها من الدول. هاتان الروايتان أسستا لنموذجين مختلفين من اليهودية، يمثل كل منهما ظروفًا وتصورات متباينة. غير أن هذين النموذجين المختلفين قد التقيا في فلسطين.

إنّ التقاء روايتين مستقلتين ومتمايزتين في مكان واحد وهو فلسطين، كشف عن بساطة شديدة في تركيب هذه الرواية، لكنها كانت تتمتع بمصداقية عالية، ويرجع ذلك إلى بساطة القصة نفسها. ورغم ذلك قليلون هم الذين حللوا القصة انطلاقًا من منهجية واضحة. ومع ذلك، كانت التناقضات بين بين حبكة الأحداث والشخصيات والمكان سطحية للغاية لدرجة يمكن ملاحظتها للوهلة الأولى.

لقد لاحظت شخصيًا أخطاء مفاهيمية منعتنا في البداية من تحليل هذه الروايات. فقد تصور تيودور هرتزل إسرائيل في البداية على أنها مستعمرة ألمانية، ولكن مفهوم "الهولوكوست" جعل تصور هرتزل غير مفهوم. وكانت اللغة الألمانية هي لغة التواصل في مستعمرة هرتزل. ومن المثير للاهتمام أن الدراسات حول الصهيونية أثبتت تطبيق النظام الاستعماري الألماني على الأراضي الفلسطينية. ولكننا نسينا مفهوم الاستعمار والمستعمرة. ثم انتشر مفهوم الاستعمار وكانت نتائجه وخيمة. ولم يتمكن أحد من تصور إسرائيل كمستعمرة. لأن هذا يتعارض مع رواية الأغنياء اليهود. ونتيجة لذلك، تم طمس حقيقة أن إسرائيل كانت مستعمرة أوروبية كما تصور تيودور هرتزل.

والأخطاء التي لاحظتها لم تقتصر على ذلك فقط. فرغم أن الإمبريالية ليست ضمن مجال تخصصي، أستطيع الإشارة إلى إشكالية تتعلق بهذا المفهوم. فقد جرت مناقشة الموضوع على أسس خاطئة، مما أدى إلى ربط هذا المفهوم بماضينا العثماني. ولابد أن يكون لذلك سبب معين. فالذين يشعرون بالانزعاج من التاريخ العثماني، والذين يعتبرون أنفسهم امتدادًا له، لم يناقشوا صحة أو خطأ مفهوم الإمبريالية بحد ذاته. ويعود هذا الالتباس الذهني إلى عدم إخضاع الأدبيات والمفاهيم الماركسية للنقد والتحليل. إن ضحالة التوجهات الطبقية التي تتسم بالمركزية الأوروبية جعلت المشاكل الدولية غير مرئية. فعلى سبيل المثال، لم يكن للأنجلوساكسونيين ومن تبعهم من المجتمعات الألمانية أي مستعمرات في أمريكا الشمالية. وكذلك الأمر في أستراليا ونيوزيلندا، حيث لم يكن هناك استعمار تقليدي على النمط الطبقي. بل إنهم أبادوا الشعوب الأصلية وأزالوا وجودها بالكامل. فلم يكن هناك أثر لعلاقة استغلال طبقي في تلك المناطق، حيث قامت الشعوب الأوروبية بإبادة الشعوب التي بلا تاريخ"، وهذا هو كل ما في الأمر. ومع ذلك، فإن وضع التاريخ القذر للإنجليز والفرنسيين في كفة واحدة مع ماضينا العثماني لا يمكن تفسيره إلا بـ"العمى الفكري". ومن جهة أخرى، فإن الاستعمار هو نظام متكامل، ولا يمكن فهم هيمنة الدول الأوروبية الغربية على العالم إلا ضمن إطار هذا النظام.

تتابعت المفاهيم الخاطئة بشكل متسلسل. فعند استبدال مصطلح "الاستعمار" بمفهوم "الاستيطان" أصبح من المستحيل فهم هذا الأخير. وبعد السابع من أكتوبر طرحت هذا المفهوم بشكل متكرر. إذ يُعد الاستيطان الاستعماري الإسرائيلي أحد الأمثلة الأكثر وضوحًا للاستعمار الاستيطاني. إن محاولة تفسير قضية إسرائيل ضمن سياق اليهودية هو تفسير مضلل للغاية. ففي كل من بريطانيا والولايات المتحدة، من الصعب العثور على أي مثال يندرج ضمن فئة الهولوكوست أو البوغروم (المجازر)، إلا أن فكرة إقامة مستعمرة جديدة في فلسطين قد انطلقت من هذين البلدين. إضافة إلى ذلك، كان الاستيطان الاستعماري في جوهره نتاج التاريخ الاستعماري للأنجلوسكسونيين. ومن الصعب أن نتخيل أن "العقول العميقة" في بريطانيا والولايات المتحدة قد سلمت مقاليدها لليهود الأغنياء. ونتيجة لهذه السلسلة من الأخطاء، لم يتمكن أحد من وضع جرائم إسرائيل في سياقها الصحيح. مع أنه كان من السهل على من ينظر إلى الأحداث من الداخل أن يرى "الجرائم الاستعمارية". وفي هذا السياق، يعد دعم المسيحيين الإنجيليين لإسرائيل لمجرد أنها "يهودية" موضوعًا بالغ الأهمية.

أما في سوريا، فإن احتلال إسرائيل لمرتفعات الجولان في أضعف حالات الإدارة الجديدة في سوريا لا يمكن فهمه إلا من خلال نموذج "الغرب المتوحش".


#الاستعمار
#الاحتلال الإسرائيلي
#بريطانيا
#الولايات المتحدة
#السابع من أكتوبر
#الصهيونية