إن سياسة "التصعيد" التي تتبعها بريطانيا وفرنسا وألمانيا ضد روسيا عقب انتخاب ترامب رئيسًا للولايات المتحدة هي جزء من سياسة مشتركة. وتعدّحملة الصواريخ التي أطلقتها إدارة بايدن ضد روسيا جزءًا من هذا النهج.
إن إرسال لندن وبرلين وباريس قوات إلى ساحة المعركة ضد روسيا، والاستمرار في إدارة الحرب، وتفعيل أنظمة الصواريخ التي تم توفيرها سابقًا ولكن تم تقييد مداها، ما هو إلا فصل آخر من هذا السيناريو المدروس.
وتندرج أخبار توزيع كتيبات "البقاء على قيد الحياة في حالة الحرب" على السكان في بعض الدول الاسكندنافية، وقطع كابلات الألياف البصرية في منطقة البلطيق، ضمن نفس الإطار.
عندما نضيف إلى ذلك توجيه صواريخ متعددة الجنسيات مثل "ATACMS" و"Storm Shadow" و"Taurus" نحو أوكرانيا، واستخدام روسيا لأول مرة صواريخ باليستية عابرة للقارات، وإخلاء بعض السفارات في كييف، يتضح أن هذه التطورات المتسارعة تتطلب إجابة مُرضية عن السؤال المحوري: "إلى أين ستؤول الأمور؟"
سيناريوهات يشوبها الغموض الاستراتيجي..
هناك عدة سيناريوهات محتملة:
الأول، يتمثل في افتراض أن الولايات المتحدة وبريطانيا وبعض الدول الأوروبية بدأت في تنفيذ خطة تهدف إلى إغراق إدارة ترامب القادمة في مستنقع الحرب الأوكرانية بشكل لا رجعة فيه.
هذا الافتراض صحيح جزئيًا، لكنه يعتمد أيضًا على مخاوف أوروبا من أن تتحمل وحدها تكاليف مواجهة روسيا، مع خطر أن تتخلى عنها إدارة ترامب، وأن ترد روسيا بقوة، وهذا هو الافتراض الأضعف في هذا السيناريو.
السيناريو الثاني: هو سيناريو أمريكي بحت ينطوي على قدر كبير من الطابع التكهني، ويرى أن الهجمات الصاروخية التي وقعت بعد اجتماع بايدن وترامب تُعتبر دليلاً يدعم هذا السيناريو. وفقًا لهذ الطرح فإن الجلوس مع روسيا، وهي في وضع ميداني متفوق، على طاولة المفاوضات سيجعل العملية التفاوضية شديدة التعقيد. ويُعتقد أن موسكو حققت مكاسب ميدانية، وبالتالي فإن شراكتها مع ترامب ستعزز موقفها التفاوضي. لذا يجب تقويض هذا الموقف. وهذا هو سبب التصعيد الأخير، حيث يسعى بايدن إلى إشراك ترامب في التحالف الأوروبي.
السيناريو الثالث: هو السيناريو القديم الذي يتم تداوله بين الحين والآخر، والذي يدعو إلى بناء "نظام أمني أوروبي جديد". ويأخذ أحيانًا شكل تحدٍّ صريح، لكنه دائمًا ما يتراجع أمام الضغوط الأمريكية.
هذه الطموحات الأوروبية تسعى لبناء استقلالية دفاعية تمكنها من الاعتماد على نفسها في التعامل مع التحديات، وهي خطة طويلة الأمد وطموحة للغاية. ورغم أنها قد تفتح آفاقاً مفيدة للعلاقات التركية-الأوروبية، إلا أن هذا المسار محفوف بالمخاطر، فقد يؤدي إلى مواجهة مباشرة بين أنقرة وموسكو عبر "الناتو" أو "الجيش الأوروبي". وهذا الأمر يستدعي الحذر الشديد.
وربما يمكن تصور سيناريو رابع يقوم على تنفيذ جميع هذه الاستراتيجيات بشكل متزامن، أو خامس يتحدث عن نقل الحرب إلى أوروبا أو تحويلها إلى حرب استنزاف طويلة الأمد، أشبه بمن يُبقي على حياة مريض في العناية المشددة.
لكن جميع هذه السيناريوهات يشوبها "غموض استراتيجي".
هل نقول أوروبا أم شبه جزيرة أوراسيا؟
تعيش كل من بريطانيا وألمانيا وفرنسا حاليا أوقاتا عصيبة على الساحة السياسية. فالحكومات الحالية في هذه الدول الثلاث، وخاصة في لندن وبرلين، تواجه صعوبات في الحفاظ على سلطتها. وتؤثر المخاوف من الانتخابات والواقع الاقتصادي سلبًا على الاستقرار.
وقد تكون الحركات السياسية الحادة التي تشهدها هذه الدول ناجمة عن هذه الظروف، ولكن قد تتدهور الأوضاع السياسية في أوروبا بشكل أكبر مع تغير الحكومات. ورغم أن الوضع المتفاقم في أوكرانيا يبدو منفصلًا عن هذا السياق، إلا أن الهزيمة المحققة لكييف ستكون لها تداعيات سياسية واسعة النطاق في جميع أنحاء أوروبا.
في جميع الأحوال، فإن مغامرة أوروبا في أوكرانيا، إلى جانب عودة ترامب، تشكل تهديدًا خطيرًا للاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني في القارة. فهل يمكن أن تكون محاولة إحياء "حرب الاستنزاف" هي الحل لكل هذه المشاكل؟
سترتد عليهم
يجمع الخبراء العسكريون والتقنيون على إجابة واحدة بشأن ما إذا كانت قوة الصواريخ وأعدادها وأنظمتها ستغير مسار الحرب: "تلك الحرب خسرت بالفعل، فالصواريخ لن تُحدث فرقًا ولن تُنقذ الموقف" (كما ورد في مقال "مقامرة بايدن بصواريخ ATACMS في أوكرانيا قد ترتد على أمريكا نفسها" - ناشيونال إنترست، 20 نوفمبر).
المثير للاهتمام هو أنه رغم الانتشار الواسع للتحذيرات والتقييمات المبكرة، سواء في الولايات المتحدة أو على مستوى العالم، بشأن استحالة الفوز بهذه الحرب، يبقى السؤال الأهم هو: كيف لم يتمكن الجنرالات الأمريكيون ذوو الرتب العالية من إدراك هذه الحقيقة البسيطة منذ الأيام الأولى للصراع وحتى الآن؟
قد يتبادر إلى الذهن سؤال بسيط: "أي حرب فازت بها الولايات المتحدة؟" ولكن يمكن القول إن الولايات المتحدة لم تهزم قط، بل إنها "انسحبت" من حروب مثل أفغانستان والعراق. وهذا يشير إلى أن هدف الولايات المتحدة من هذه الحروب المصطنعة ليس "الفوز" بالمعنى التقليدي، بل تحقيق مكاسب أخرى أي أن الهدف لم يكن الحفاظ على النفوذ أو فرض السيطرة أو معاقبة العدو، بل كان الهدف الأساسي هو جني الأموال.
صمت ترامب..
في ظل هذه السيناريوهات المعقدة، أرى أن الأمر بسيط للغاية ويمتد إلى عام 2028. أعتقد أن بايدن والنظام العالمي يسعيان إلى تعقيد العلاقة بين بوتين وترامب خلال السنوات الأربع المقبلة.
ستستمر الحرب، ولن يكون الفوز ذا أهمية. فالهدف هو تقييد ترامب حتى انتخابات الرئاسة عام 2028. وتساهم خطط أوروبا وبايدن المتعلقة بالصواريخ في إطالة أمد الحرب وليس الفوز بها. فالهدف هو الحفاظ على النظام العالمي الأمريكي.
ولا يرغب بايدن في ترك إرث من الهزائم الاستراتيجية، لأن هذه الفكرة قد تتحول إلى عبء ثقيل، وإذا التقت مع الديناميكيات الجديدة في النظام العالمي، فقد تلحق بالغرب عارًا مماثلًا لانهيار الاتحاد السوفيتي وجدار برلين.
من المنطقي أن توجه روسيا رسالة عبر مراجعة عقيدتها النووية بعد رؤية حلف الناتو والولايات المتحدة يشاركان بشكل مباشر في الحرب. لكنهم سيتجاهلون ذلك، ولكن يجب على بوتين التحلي بالصبر وعدم اللجوء إلى الخيار النووي.
كما يجب تفسير صمت ترامب بشأن الصواريخ. فهو لا يرى أن هناك خطرًا نوويًا. وهذا يعني أنه قد فهم مراميهم.
اسم BIST محمي مع الشعار وفق شهادة ماركة محمية، لا يجوز الاستخدام دون إذن، ولا يجوز الاقتباس ولا التحوير، كل المعلومات الواردة تحت شعارBIST محفوظة باسم BIST ، لا يجو إعادة النشر. بيانات السوق توفرها شركة iDealdata Finans Teknolojiler A.Ş. بيانات أسهم BİST تتأخر 15 دقيقة