الأمم المتحدة من منظور واشنطن وإصرار تركيا على الإصلاح

08:0825/09/2024, الأربعاء
تحديث: 29/09/2024, الأحد
قدير أوستون

يتزامن خطاب الرئيس بايدن الأخير في الأمم المتحدة مع واحدة من أكثر الفترات ضعفًا للدبلوماسية الأمريكية. فمنذ 7 أكتوبر، تتابع إدارة بايدن مشهد تراجع المصداقية الدبلوماسية للولايات المتحدة في أعين "المجتمع الدولي" جراء السياسات الإسرائيلية. وعلى الرغم من حديث إدارة بايدن عن ضرورة إصلاح الأمم المتحدة، يبدو أن هذا الموقف جاء نتيجة ضغط الدول التي تعترض على النظام القائم، أكثر من كونه إدراكًا حقيقيًا لحاجة العالم لنظام دولي جديد. فإدارة بايدن لم تبدأ الحديث عن الإصلاح إلا بعد غزو روسيا لأوكرانيا، ولم

يتزامن خطاب الرئيس بايدن الأخير في الأمم المتحدة مع واحدة من أكثر الفترات ضعفًا للدبلوماسية الأمريكية. فمنذ 7 أكتوبر، تتابع إدارة بايدن مشهد تراجع المصداقية الدبلوماسية للولايات المتحدة في أعين "المجتمع الدولي" جراء السياسات الإسرائيلية. وعلى الرغم من حديث إدارة بايدن عن ضرورة إصلاح الأمم المتحدة، يبدو أن هذا الموقف جاء نتيجة ضغط الدول التي تعترض على النظام القائم، أكثر من كونه إدراكًا حقيقيًا لحاجة العالم لنظام دولي جديد. فإدارة بايدن لم تبدأ الحديث عن الإصلاح إلا بعد غزو روسيا لأوكرانيا، ولم تبادر إلى فتح أي مفاوضات حول إصلاحات هيكلية للنظام الدولي.

بدلًا من ذلك، ركز بايدن جهوده على تجنب الضغوط الدولية تجاه إسرائيل، بينما اقتصر خطابه على القضايا المعتادة مثل دعم أوكرانيا، الأزمات الإنسانية في مناطق النزاع، التغير المناخي، والذكاء الاصطناعي.


التراجع الدبلوماسي الأمريكي

لطالما استغلت واشنطن اجتماعات الأمم المتحدة كمنصة للتفاوض حول أولويات سياستها الخارجية مع القوى الكبرى مثل روسيا والصين، ولإقناع الدول الأخرى بقبول التسويات التي تطرحها.

وفي الماضي، نجحت الإدارات الأمريكية في الحصول على دعم أعضاء مجلس الأمن الدولي ذوي حق الفيتو بشأن قضايا رئيسية مثل غزو العراق للكويت، وهجمات 11 سبتمبر، والعقوبات على ليبيا وإيران وكوريا الشمالية. وعلى الرغم من إصرار واشنطن على تقديم الحماية الدبلوماسية لإسرائيل، كانت قادرة على تجنب العزلة الدولية عبر تقديم وعود بأن عملية السلام ستؤدي في النهاية إلى تحسين الأوضاع للفلسطينيين.


ولكن في هذا الأسبوع، يظهر غياب أي مقترحات سياسية كبيرة يمكن أن تتفاوض عليها إدارة بايدن مع الدول الكبرى ذات حق الفيتو مدى تراجع نفوذ السياسة الخارجية الأمريكية. ففي قمة الأمم المتحدة الحالية، والتي يغيب عنها زعماء مثل بوتين وشي جين بينغ، سيكتفي بايدن بتوجيه انتقادات مفتوحة أو غير مباشرة لهؤلاء القادة، دون تقديم أي مقترحات ملموسة لإنهاء الغزو الروسي لأوكرانيا أو النزاعات الإقليمية بين إيران وإسرائيل.

كذلك، لا توجد أي اتفاقيات دولية جاهزة تتعلق بإصلاح الأمم المتحدة أو الذكاء الاصطناعي أو التغير المناخي. بالتالي، سيبدو خطابه مجرد سلسلة من الاتهامات والتمنيات، ما يعكس ضمنيًا فشل الدبلوماسية الأمريكية في تقديم حلول حقيقية.


ماذا لو عاد ترامب؟

تولى بايدن السلطة متعهداً بعكس سياسات ترامب الخارجية، مؤكداً أن "أمريكا قد عادت"، ووعد بإعادة بناء المؤسسات الدولية بالتعاون مع الحلفاء. وعلى الرغم من أنه حقق بعض التقدم، خصوصاً فيما يتعلق بحلف الناتو، إلا أن النتائج كانت محدودة. كذلك، تُعد اتفاقيات مثل "أوكوس" مع حلفاء الولايات المتحدة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ من الإنجازات الجزئية.

ومع ذلك، يبقى السؤال مطروحًا حول مدى قدرة الولايات المتحدة على الحفاظ على تأثيرها واستمرار التزامها بهذه الأهداف. وإذا عاد ترامب إلى السلطة في الانتخابات المقبلة، فقد تجد واشنطن نفسها تعود إلى نقطة البداية في كثير من القضايا الدولية. وقد يؤدي هذا إلى تعميق العزلة التي تعاني منها إدارة بايدن، لا سيما فيما يتعلق بإسرائيل.


الدبلوماسية الأمريكية في مرحلة تراجع

في حين تكرر إدارة بايدن الحديث عن "النظام القائم على القواعد الدولية"، فإنها تستنزف رصيدها الدبلوماسي في دعم إسرائيل. وهذا يظهر أحد أكثر التناقضات وضوحاً في السياسة الخارجية الأمريكية.

فبالرغم من التزامها المعلن بإصلاح النظام الدولي، لم تتمكن حتى الآن من إقناع إسرائيل بوقف إطلاق النار، بل تستمر في تقديم الدعم العسكري لها. هذا يعزز الرأي القائل بأن تصريحات الولايات المتحدة عن عودتها كقوة عالمية مؤثرة أصبحت مجرد كلام فارغ. في الواقع، تُظهر الوقائع أن واشنطن غير قادرة على بناء نظام دولي فاعل لحل الأزمات العالمية.


إصرار تركيا على إصلاح الأمم المتحدة

مع فشل القوى الكبرى ذات حق الفيتو في إيقاف الحروب أو إيجاد حلول للقضايا العالمية، أصبحت الدول المتوسطة مثل تركيا، البرازيل، وجنوب أفريقيا أكثر إصراراً على طرح مقترحات إصلاحية ملموسة. ويعتبر اجتماع قمة "مستقبل الأمم المتحدة"، الذي تحدث فيه وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، خطوة مهمة نحو مناقشة هذه المقترحات. ومن أبرز هذه الأفكار توسيع حق الفيتو ليشمل دولًا إضافية، إضافة إلى تمثيل دائم لدول من قارات غير ممثلة في مجلس الأمن الدولي.


منذ تأسيس الأمم المتحدة، كانت القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، تستخدم مجلس الأمن الدولي كأداة لتحقيق مصالحها. لكن من الواضح الآن أن المجلس بحاجة إلى إصلاح حقيقي. قد يستغرق تحقيق هذا الإصلاح وقتاً طويلاً، ولكن في حال تم، فإنه سيضعف قدرة الولايات المتحدة على حماية إسرائيل بشكل كامل من الضغوط الدولية. ورغم الشكوك حول مدى التزام واشنطن فعليًا بهذه الأجندة، فإن إصرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على بقاء هذا الموضوع قيد المناقشة قد يكون أحد أكبر إسهامات تركيا في جهود إصلاح النظام الدولي.



بالنسبة لدول مثل تركيا، يُعد ضعف فعالية النظام الدولي ومؤسساته، مثل الأمم المتحدة، مشكلة أكثر إلحاحًا مقارنة بالقوى الكبرى كالولايات المتحدة. ففي حين تُعتبر الأزمات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط قضايا "خارجية" بالنسبة للجمهور الأمريكي وتؤثر بشكل محدود على حياتهم اليومية، فإن إحجام معظم الأمريكيين عن تحمل تكاليف القيادة العالمية، رغم استفادتهم من فوائدها، يقلل من أهمية إصلاح النظام الدولي بالنسبة لهم.


أما بالنسبة للدول المتوسطة مثل تركيا، فهي تواجه تأثيرات مباشرة من هذه النزاعات. لذلك، فإن الحاجة إلى إصلاح النظام الدولي تعد ضرورة ملحة تتطلب حلولاً عاجلة ومستدامة. ومن هذا المنطلق، تستمر تركيا في قيادة الجهود الرامية إلى تحقيق إصلاحات حقيقية في الأمم المتحدة، حيث ينبع إصرارها على هذا الإصلاح من احتياجاتها الملحة.


#تركيا
#ترامب
#بايدن
#السياسية الأمريكية
#إصلاح الأمم المتحدة
#الأمم المتحدة