روح ملاذكرد.. رؤية السلاجقة وأمل الإنسانية

10:1126/08/2024, الإثنين
تحديث: 27/08/2024, الثلاثاء
يوسف قابلان

تجتمع الدولة اليوم في مدينة أخلاط احتفالاً بذكرى انتصار ملاذكرد. ولا يعد انتصار ملاذكرد مجرد انتصار عسكري حققته قوة عسكرية على قوة أخرى، بل هو انتصارٌ لروح؛ روح المقاومة والنهضة. إنه بداية انطلاق الحضارة الحقيقية التي ارتوت من لبن مكة وترعرعت في المدينة وأثمرت في القدس في مسيرة شاملة للإنسانية. ولا يعد انتصار ملاذكرد نقطة تحول في تاريخ الأتراك فحسب، بل هو علامة فارقة في تاريخ الإسلام وتاريخ البشرية جمعاء، حيث حدد مسار التاريخ واتجاهه ومجراه. ولذلك فإن روح ملاذكرد هي أفق السلاجقة وأمل الإنسانية.

تجتمع الدولة اليوم في مدينة أخلاط احتفالاً بذكرى انتصار ملاذكرد. ولا يعد انتصار ملاذكرد مجرد انتصار عسكري حققته قوة عسكرية على قوة أخرى، بل هو انتصارٌ لروح؛ روح المقاومة والنهضة. إنه بداية انطلاق الحضارة الحقيقية التي ارتوت من لبن مكة وترعرعت في المدينة وأثمرت في القدس في مسيرة شاملة للإنسانية.

ولا يعد انتصار ملاذكرد نقطة تحول في تاريخ الأتراك فحسب، بل هو علامة فارقة في تاريخ الإسلام وتاريخ البشرية جمعاء، حيث حدد مسار التاريخ واتجاهه ومجراه. ولذلك فإن روح ملاذكرد هي أفق السلاجقة وأمل الإنسانية.


السلطان ألب أرسلان.. مسلم مخلص ورمز النبل والرحمة

ولد السلطان ألب أرسلان عام 1030 وتوفي عن عمر يناهز 43 عامًا. وفي هذه الحياة القصيرة، رسم خريطة تاريخية عالمية حددت المسار النهائي لمصير شعوب هذه الأرض وجميع المسلمين والبشرية جمعاء.

لم يحكم سوى تسع سنوات، إلا أنه خلال هذه الفترة القصيرة زرع بذور شكل التاريخ العالمي وحَدد مساره. فالشجرة الضخمة التي امتدت جذورها من الأناضول إلى البلقان وشمال أفريقيا واليمن، حاملة معها نور حضارة الحقيقة، هي الشجرة التي غرسها السلطان ألب أرسلان.

وليس الجميع مؤهَلاً لغرس شجرة كهذه، ولا يحظى بهذا الشرف أي شخص. كان السلطان ألب أرسلان قبل كل شيء مسلماً مخلصاً متحصناً بالإيمان. وكان رمزاً للنبل، ونموذجاً للعدل والأخلاق والرحمة.

ولم يقتصر وصفه بهذه الصفات على المصادر الإسلامية فحسب، بل امتد ليشمل المصادر السريانية والأرمنية والرومية أيضاً. وقد صرح السلطان ألب أرسلان بنفسه بهذه الحقيقة بوضوح قائلًا: "نحن مسلمون أطهار، بعيدون عن البدع، خرجنا نطلب رضا الله بكفننا. ولذلك لم يحرمنا الله من نصره".


لا تكفي الجيوش العسكرية وحدها بل لا بد من جيوش الفكر والعقيدة

كان السلطان ألب أرسلان مسلمًا يشعر بعمق المعاناة التي تعصف بالعالم الإسلامي من الفتن والفساد والاضطرابات والدمار، مما أشعل نيران الغيرة والحماس في قلبه. وقد عزم على وضع حد للأزمات الداخلية والخارجية التي يعاني منها العالم الإسلامي وكان مصمماً على تحقيق هدفه.

كان العالم الإسلامي يواجه تحديات جسيمة، مثل انتشار الفرق الضالة كالرافضة والباطنية والخوارج والمعتزلة والشيعة والحشاشين، والتي تسببت في أزمات عقائدية وفكرية وسياسية عميقة هزت أركان العالم الإسلامي وحالت دون نهوضه.

وقد جاءت الدولة السلجوقية لتنقذ العالم الإسلامي من محنته، وكأنها مرسلة من السماء. فقد قام كل من طغرل بك وألب أرسلان وملك شاه برحلة عظيمة ورائعة لتغيير مسار التاريخ وإنقاذ العالم الإسلامي من مصيره المحتوم.

هذه الرحلة، وخاصة بعد انتصار ملاذكرد الذي فتح كل الأبواب أمام ألب أرسلان، وجهت الإمارات والولايات والسلاطين المسلمين اللاحقين نحو هدفين رئيسيين: صد الهجمات الخارجية، ولكن لتحقيق ذلك، كان لا بد أولاً من حل المشكلات العقائدية والفكرية والسياسية العميقة الداخلية.

كان ألب أرسلان على دراية تامة بأن الجيوش القوية وحدها لا تكفي للتصدي لمواجهة هذا الصراع المزدوج. لذلك أدرك الحاجة الملحة إلى بناء جيوش من العلم والمعرفة والحكمة، ترتكز على دعائم العقيدة والفكر والسياسة، وأقوى بكثير من الجيوش العسكرية، لتصبح أمل البشرية، وتتمكن من حماية الإسلام وصد هجمات الكفار الخارجية، وحل الأزمات الداخلية


تم إنشاء العمود الفقري وتحديد مسار التاريخ العالمي

وفي عام 1067، أطلق ألب أرسلان ثورة عظيمة بوضع أساسات مدارس النظامية. وقد كانت الرحلة التي بدأها نور الدين زنكي في التعليم، والتي حملها صلاح الدين الأيوبي إلى آفاق سياسية جديدة، تجسيداً لروح هذه النهضة التي بدأها السلطان ألب أرسلان.

كانت نقطة الانطلاق لكل من السلاجقة والأيوبيين هي ترسيخ أركان السنة والجماعة بقوة، وذلك لإنقاذ العالم الإسلامي من مصيره المحتوم. ولذا فإن روح ملاذكرد هي روح المقاومة والنهضة التي أسست لهذا العمود الفقري، والتي ارتكزت على عقيدة صحيحة وأفكار سليمة وسياسة حكيمة، ووصلت إلى آفاق الحكمة بجناحي العلم والمعرفة. وقد فتحت هذه الروح أبواب الألفية القادمة لتشكل تاريخ الإسلام وتاريخ العالم من خلال الأناضول.

لم تكن معركة ملاذكرد مجرد انتصار عسكري، بل كانت انتصارًا للحقيقة بفضل جيوش العلم والمعرفة والحكمة، انتصارًا بنى أساساً متيناً لأهل السنة والجماعة على مدى ألف عام. إنها روح ملهمة ومحفزة.

أيها السائر في درب الحقيقة، احرس سماءك كعينيك

ولا تنسَ أنه تم إسقاط الدولة العثمانية سعياً لطمس هذه الروح، وأن تركيا تواجه حصاراً شديداً الآن لأنها بدأت تستعيد هذه الروح وتتبناها.

إن روح ملاذكرد هي العمود الفقري لأهل السنة، الذي وحد شمل العالم الإسلامي وغير مجرى التاريخ، فإذا انهار هذا العمود، فلن يستطيع أي مذهب أو فكر آخر في العالم الإسلامي أن يستمر أو يزدهر، هذه الروح هي التي تحتضن وتثبت هذه الحقيقة وتساعد على فهمها.

وأود أن أذكر هنا كما أؤكد دائمًا، أنني لا أقوم هنا بتحليل مذهبي، ففي هذه الأوقات العصيبة التي يمر بها العالم الإسلامي لا يمكننا الانشغال بمثل هذه التحليلات.

ما أقصده هو أن السنة والجماعة هي سماؤنا التي تحمينا، وهي إرادتنا في صنع التاريخ. فإذا سقطت هذه السماء، فسوف ندفن جميعًا تحت أنقاضها، وتتلاشى إرادتنا في صنع التاريخ.

إن روح ملاذكرد هي التي بنت لنا هذه السماء العظيمة وحددت مصير الإسلام. فإذا انهار أهل السنة، فسوف ينقلب مصير الإسلام رأسًا على عقب.

كلما حافظنا على هذه السماء قوية ومتماسكة، كلما زادت ثقتنا بأنفسنا وقدرتنا على احتضان التنوع والاختلاف ورؤيتهما كثروة، وكلما استطعنا العودة بقوة وتحقيق إنجازات عظيمة تغير مجرى التاريخ مرة أخرى خلال قرن واحد، بفضل الله وتوفيقه.


#ملاذكرد
#السلاجقة
#تركيا
#الإسلام
#أهل السنة
#الأناضول
#العلم
#السلطان ألب أرسلان