اللعبة الكبرى

08:0330/09/2024, الإثنين
تحديث: 30/09/2024, الإثنين
سليمان سيفي أوغون

نفذت إسرائيل عمليات استهدفت عدداً من كبار قادة حزب الله في لبنان، وكان اغتيال حسن نصر الله، الزعيم الكاريزمي للحزب، أبرز الأحداث وأكثرها دراماتيكية خلال هذه العملية. يبدو أن لإسرائيل اختراقاً استخباراتياً عميقاً داخل حزب الله وإيران الداعمة له. وهنا يطرح السؤال المهم: كيف لدولة تملك هذا المستوى من الاستخبارات أن تبدو ضعيفة في 7 أكتوبر؟ في الواقع، هذا أمر لا يصدقه حتى الأطفال. إسرائيل كانت على علم مسبق بالهجوم، لكنها لم تتخذ أي إجراء لمنع حماس. بل انتظرت انتهاء الهجوم لتباشر تنفيذ خطتها التي أعدتها

نفذت إسرائيل عمليات استهدفت عدداً من كبار قادة حزب الله في لبنان، وكان اغتيال حسن نصر الله، الزعيم الكاريزمي للحزب، أبرز الأحداث وأكثرها دراماتيكية خلال هذه العملية. يبدو أن لإسرائيل اختراقاً استخباراتياً عميقاً داخل حزب الله وإيران الداعمة له. وهنا يطرح السؤال المهم: كيف لدولة تملك هذا المستوى من الاستخبارات أن تبدو ضعيفة في 7 أكتوبر؟ في الواقع، هذا أمر لا يصدقه حتى الأطفال. إسرائيل كانت على علم مسبق بالهجوم، لكنها لم تتخذ أي إجراء لمنع حماس. بل انتظرت انتهاء الهجوم لتباشر تنفيذ خطتها التي أعدتها مسبقاً منذ وقت طويل.


بالعودة إلى الثمانينيات، يتضح بشكل متزايد أن الثورة الإيرانية، رغم دينامياتها الداخلية، كانت في جوهرها حركة موجهة. الفكرة الأساسية هنا هي أن كل قوة تحتاج إلى عدو لتعزيز نفوذها، وهذه المسألة لا تتعلق بإسرائيل وحدها، بل تمتد إلى الهيمنة الأنغلوأمريكية التي كانت تدير المشهد من الخلف. هذه الهيمنة هي التي منحت إيران فرصة التقدم عبر لعب دور العدو.

أما الحرب الإيرانية العراقية، فقد خدمت هدفين رئيسيين: الأول كان تعزيز النظام الإيراني من الداخل، والثاني إضعاف العراق، الذي كان يُعد آنذاك أحد أهم معاقل حزب البعث. تلك الحرب التي استمرت لثماني سنوات لم تثمر عن انتصار حاسم لأي طرف، وانتهت في مطلع التسعينيات.


بعد الحرب، تحولت الأنظار إلى العراق، لتندلع حرب الخليج التي انتهت بإسقاط صدام حسين وتفتيت العراق. اللافت في الأمر أن إيران، التي كانت تُعتبر ضمن "محور الشر" منذ عهد ريغان، استفادت بشكل كبير من هذا الوضع، حيث وسعت نفوذها في العراق مستغلة الأغلبية الشيعية. ورغم هذا التوسع الواضح، لم تبذل الدول الغربية أي جهد فعلي للحد من نفوذ إيران المتزايد.


أما ما يُعرف بالربيع العربي، فقد كان في جوهره صراعًا بين حزب البعث وجماعة الإخوان المسلمين. ففي حين أُطيحت الأنظمة البعثية على يد الإخوان، شهدنا أيضاً سقوط نظام القذافي في ليبيا، الذي كان أحد معاقل البعث الرئيسية بعد العراق. أما في تونس ومصر، استطاع الإخوان الوصول إلى الحكم، لكنهم أُطيحوا لاحقاً من خلال انقلابات عسكرية أو قضائية. وعلى الجانب الآخر، تم تعزيز استقرار الأنظمة العشائرية في الخليج، بل وتم التوصل إلى مصالحة بينها وبين إسرائيل.

غير أن المشكلة الحقيقية ظهرت في منطقة بلاد الشام. ففي غزة، استطاعت حماس، التي تتبع فكر الإخوان، أن تحافظ على قوتها. أما في سوريا، فتدخلت إيران بدعم روسي للحفاظ على النظام السوري. على الجانب الآخر، لجأت الولايات المتحدة والغرب إلى استخدام التنظيمات المتطرفة مثل "القاعدة" و"بي كي كي الإرهابي" كورقة ضغط. هذه الجماعات المتطرفة أضعفت المعارضة السنية ذات التوجه الإخواني في سوريا، مما سمح للميليشيات الشيعية بالتمدد، وأتاح لإيران توسيع نفوذها ليس فقط في العراق وسوريا.

توسّع نفوذ إيران بسرعة، حيث أنشأت شبكة واسعة بدعم من حزب الله في لبنان. هذا الانتشار الإيراني المتنامي في المنطقة العربية مثّل تهديدًا مباشراً للسعودية ودول الخليج العشائرية. بعد أن كان الإخوان يشكلون التهديد الأكبر، برز تهديد جديد من الشيعة الإيرانيين، لا سيما عبر الحوثيين في اليمن، مما خلق كابوسًا للسعودية والخليج وقلل من قدرتهم على التحرك تجاه الغرب. ومع صعود الجيوسياسية الدينية لتحل محل السياسة التقليدية، شهدت الأدوار والتحالفات تحولات جذرية.


كان التقارب بين حماس وحزب الله تطورًا مهمًا آخر. بعد انهيار حركة الإخوان، وجدت حماس في إيران وحزب الله حليفين يمكن الاعتماد عليهما. وعلى الرغم من أن حماس تنظيم سني وحزب الله تنظيم شيعي، إلا أن هذا التحالف لم يكن متماشياً مع القواعد الجديدة للجيوسياسية الدينية. وقد استغل الغرب هذا الخلل بشكل جيد.


في هذه الأثناء، كانت إيران تعزز علاقاتها بشكل متزايد مع روسيا والصين، مما أدى إلى تصاعد التوترات بشكل كبير. الحرب التي نشهدها اليوم في غزة انبثقت من هذا السياق. وتم اتخاذ قرار واضح: "سيتم إبعاد إيران عن الجغرافية العربية". ونتيجة لذلك ستبدأ العملية بهجوم متزامن من إسرائيل على حماس، التي تعتبر امتداداً للإخوان المسلمين، وعلى حزب الله.


في البداية، كانت إيران تأمل في الحصول على دعم من روسيا والصين، لكن هذا لم يتحقق. فالصين كانت منشغلة في المحيط الهادئ، وروسيا كانت غارقة في حربها في أوكرانيا، مما حال دون تقديمها أي دعم حقيقي. يبدو أن هناك اتفاقًا ضمنيًا بين روسيا وإسرائيل: إسرائيل تتجنب التدخل في أوكرانيا، وروسيا لا تتدخل في غزة. ورغم تعاون روسيا مع إيران في سوريا، إلا أن موسكو تسعى للتخلص من النفوذ الإيراني لضمان مصالحها الخاصة.


في هذا السياق، يظهر المشروع الغربي الأنغلوأمريكي الشامل والطويل الأمد كالعامل الحاسم في التطورات الحالية. الخطوة الأولى في هذا المشروع كانت قطع الروابط بين أوراسيا وأوروبا، وبين آسيا وأوروبا، خاصة الروابط بين روسيا وألمانيا والصين وألمانيا. وهذا يفسر اندلاع حرب أوكرانيا.


الخطوة الثانية تتمثل في نقل موارد الطاقة من شرق المتوسط إلى الغرب عبر محور يضم إسرائيل واليونان ومصر، مما يضع تركيا بشكل مباشر في دائرة الاستهداف. في هذا السياق، سنشهد قريبًا دورًا محوريًا لقبرص.

أما الخطوة الثالثة فتتمثل في إنشاء مسار تجاري جديد يمر عبر الهند والسعودية والخليج وصولاً إلى إسرائيل، بهدف تقليص الاعتماد على الصين. وقد أشار نتنياهو إلى هذا في خطابه أمام الأمم المتحدة مستعرضًا خرائط توضح "محور الشر" الذي يشمل إيران والعراق وسوريا، في مقابل "محور الخير" الذي يضم السعودية ومصر. ويبدو أن روسيا، رغم تحالفها المؤقت مع الصين نتيجة الضرورة، قد تسعى لإعادة بناء روابطها مع الغرب وفقًا لهذا المخطط.


المرحلة الرابعة ترتكز على إعادة تشكيل منطقة القوقاز عبر التركيز على أرمينيا وأذربيجان وجورجيا، حيث نجد تعاوناً بين إسرائيل والهند والغرب. هذه المنطقة لا تزال تشهد حالة كبيرة من عدم الاستقرار مثل غيرها من المناطق. ورغم اتفاق الهند وإسرائيل على التجارة، فإنهما تتخذان مواقف متباينة في القوقاز. كذلك، تختلف أحيانًا مواقف الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا في تلك المنطقة.


من الواضح أن إسرائيل تظهر في قلب كل مرحلة من هذه المخططات. وفي النهاية، يرتبط الأمر بشكل مباشر وغير مباشر بمستقبل تركيا. لفهم كيفية تطوير سياسات فعالة، يجب علينا أولاً فهم الصورة بشكل دقيق.




#حزب الله
#إسرائيل
#مخططات أمريكا في المنطقة
#القوقاز
#تركيا
#منطقة بلاد الشام
#المد الشيعي
#الأخوان المسلمين
#الشيعة
#السعودية